فأما قوله: ما تسرون وما تعلنون فكلهم بالتاء على الخطاب; إلا ما روى هبيرة عن حفص عن عاصم أنه قرأ بالياء. لا يخلقون شيئا أي لا يقدرون على خلق شيء وهم يخلقون. الطبرى: وقوله ( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ) يقول تعالى ذكره: وأوثانكم الذين تدعون من دون الله أيها الناس آلهة لا تخلق شيئا وهي تخلق، فكيف يكون إلها ما كان مصنوعا مدبرا ، لا تملك لأنفسها نفعا ولا ضرّا. ابن عاشور: عطف على جملة { أفمن يخلق كمن لا يخلق} [ سورة النحل: 17] وجملة { والله يعلم ما تسرون} [ سورة النحل: 19]. وما صدْق { الذين} الأصنامُ. وظاهر أن الخطاب هنا متمحّض للمشركين وهم بعض المخاطبين في الضمائر السابقة. ان الذين تدعون من دون الله لا يسمعوا دعائكم. والمقصود من هذه الجملة التصريح بما استفيد ضمناً مما قبلها وهو نفي الخالقية ونفي العلم عن الأصنام. فالخبر الأول وهو جملة { لا يخلقون شيئاً} استفيد من جملة { أفمن يخلق كمن لا يخلق} [ سورة النحل: 17] وعطف { وهم يخلقون} ارتقاء في الاستدلال على انتفاء إلهيتها. إعراب القرآن: «وَالَّذِينَ» الواو استئنافية واسم الموصول مبتدأ «يَدْعُونَ» مضارع مرفوع والواو فاعل والجملة صلة «مِنْ دُونِ» متعلقان بيدعون «اللَّهِ» لفظ الجلالة مضاف إليه «لا يَخْلُقُونَ» لا نافية ومضارع مرفوع وفاعله والجملة خبر الذين «شَيْئاً» مفعول به «وَهُمْ» الواو حالية وهم مبتدأ «يَخْلُقُونَ» مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو نائب الفاعل والجملة خبر وجملة هم حالية.
ولست على شك من أمري، بل على يقين وبصيرة، ولهذا قال: { { لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}} بقلبي ولساني، وجوارحي، بحيث تكون منقادة لطاعته، مستسلمة لأمره، وهذا أعظم مأمور به، على الإطلاق، كما أن النهي عن عبادة ما سواه، أعظم مَنْهِيٍّ عنه، على الإطلاق. إعراب قوله تعالى (إن الذين تدعون من دون الله عبادٌ أمثالُكم). ثم قرر هذا التوحيد ، بأنه الخالق لكم والمطور لخلقتكم، فكما خلقكم وحده، فاعبدوه وحده فقال: { { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ}} وذلك بخلقه لأصلكم وأبيكم آدم عليه السلام. { { ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ}} وهذا ابتداء خلق سائر النوع الإنساني، ما دام في بطن أمه، فنبه بالابتداء، على بقية الأطوار، من العلقة، فالمضغة، فالعظام، فنفخ الروح، { { ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا}} ثم هكذا تنتقلون في الخلقة الإلهية حتى تبلغوا أشدكم من قوة العقل والبدن، وجميع قواه الظاهرة والباطنة. { { ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ}} بلوغ الأشد { { وَلِتَبْلُغُوا}} بهذه الأطوار المقدرة { { أَجَلًا مُسَمًّى}} تنتهي عنده أعماركم. { { وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}} أحوالكم، فتعلمون أن المطور لكم في هذه الأطوار كامل الاقتدار، وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له، وأنكم ناقصون من كل وجه.
تجعلها بمعزل عن النفع ، فضلا عن استحقاقها للعبادة ، فقال - تعالى - ( والذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ). فوصفها - أولا - بالعجز التام ، فقال - تعالى -: ( والذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً.. ). أى: وهذه الآلهة التى تعبدونها من دون الله - تعالى - لا تخلق شيئا من المخلوقات مهما صغرت ، بل هم يخلقون بأيديكم ، فأنتم الذين تنحتون الأصنام. القران الكريم |وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ. كما قال - سبحانه - حكاية عن إبراهيم - عليه السلام - الذى قال لقومه على سبيل التهكم بهم: ( قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) وإذا كان الأمر كذلك فكيف تعبدون شيئا أنتم تصنعونه بأيديكم ، أو هو مفتقر إلى من يوجده؟! وهذه الآية الكريمة أصرح فى إثبات العجز للمعبودات الباطلة من سابقتها التى تقول: ( أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ.. ) لأن الآية السابقة نفت عن المعبودات الباطلة أنها تخلق شيئا ، أما هذه الآية التى معنا فنفت عنهم ذلك ، وأثبتت أنهم مخلوقون لغيرهم وهو الله - عز وجل - ، أو أن الناس يصنعونهم عن طريق النحت والتصوير ، فهم أعجز من عبدتهم ، وعليه فلا تكرار بين الآيتين.
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ تفسير بن كثير يخبر تعالى أنه يعلم الضمائر والسرائر كما يعلم الظواهر، وسيجزي كل عامل بعمله يوم القيامة إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ثم أخبر أن الأصنام التي يدعونها من دون اللّه لا يخلقون شيئا وهم يخلقون، كما قال الخليل: { أتعبدون ما تنحتون؟ واللّه خلقكم وما تعملون} ، وقوله: { أموات غير أحياء} أي هي جمادات لا أرواح فيها فلا تسمع ولا تبصر ولا تعقل { وما يشعرون أيان يبعثون} أي لا يدرون متى تكون الساعة فكيف يرتجى عند هذه نفع أو ثواب أو جزاء؟ إنما يرجى ذلك من الذي يعلم كل شيء وهو خالق كل شيء. تفسير الجلالين { والذين تدعون} بالتاء والياء تعبدون { من دون الله} وهم الأصنام { لا يخلقون شيئاً وهم يُخلقون} يصورون من الحجارة وغيرها.
قال صاحب فتح القدير ما ملخصه: قوله: ( وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) الضمير فى ( يشعرون) للآلهة وفى ( يبعثون) للكفار الذين يعبدون الأصنام. والمعنى: وما تشعر هذه الجمادات من الأصنام أيان يبعث عبدتهم من الكفار ، ويكون هذا على طريقة التهكم بهم ، لأن شعور الجماد مستحيل بما هو من الأمور الظاهرة. فضلا عن الأمور التى لا يعلمها إلا الله - سبحانه -. ويجوز أن يكون الضمير فى الفعلين للآلهة. أى: وما تشعر هذه الأصنام أيان تبعث. إن الذين تدعون من دون ه. ويدل على ذلك قوله تعالى -: ( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ.. البغوى: ( والذين يدعون من دون الله) يعني الأصنام ، وقرأ عاصم ويعقوب " يدعون " بالياء. ( لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) ابن كثير: ثم أخبر أن الأصنام التي يدعونها من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ، كما قال الخليل: ( أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون) [ الصافات: 95 ، 96]. القرطبى: قوله تعالى: والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون قوله - تعالى - والذين يدعون من دون الله قراءة العامة " تدعون " بالتاء لأن ما قبله خطاب. روى أبو بكر عن عاصم وهبيرة عن حفص يدعون بالياء ، وهي قراءة يعقوب.
مدة الفيديو: 0:21 احبب من شئت.. مدة الفيديو: 0:27
سنة الله الرحيم بخلقه الذي إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون، فأحبب من شئت، وتعلق بمن شئت، فإنك مفارقه. لنا أحبة، وما ظننا يومًا أن الموت سيأخذهم ومنهم من هم في ريعان شبابهم بالرغم من إيماننا أن الموت لا يفرق بين صغير وكبير، سقيم ومعافى، غني وفقير غادرونا إلى الرفيق الأعلى تباعًا، واحترقت قلوبنا لفراقهم ونحن راضون بقضاء الله مومنون بأن ما يريده المولى لنا خير مما نريده لأنفسنا. أعظم محبوب وقد يطرح السؤال التالي: هل قدر الإنسان أن يعيش حياته كلها يتجرع ألم فقدان الأحبة؟ أليس ثمة من حبيب لا يموت؟ يقول سبحانه: ﴿إلا وجهه﴾ ويقول أيضًا: ﴿ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام﴾ أي ويبقى ذات الله الواحد الأحد، ذو العظمة والكبرياء والإنعام والإكرام. الكل فان والله باق، حي لا يموت، فبشرى- من صميم القلب – لمن كان المولى جل وعلا محبوبه، هنيئًا لمن غلب حب ذو الجلال والإكرام، حبه لمن سواه، فاستعجل الموت سبيلا للقاء المحبوب. كانت إحدى العابدات تقول: "والله لقد سئمت الحياة حتى لو وجدت الموت يباع لاشتريته شوقًا إلى الله وحبًا للقائه، فقيل لها: على ثقة أنت من عملك قالت: "لا والله! لحبي إياه وحسن ظني به، أفتراه يعذبني وأنا أحبه؟".
سنة الله الرحيم بخلقه الذي إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون، فأحبب من شئت، وتعلق بمن شئت، فإنك مفارقه……لا إله إلا الله. لنا أحبة، وما ظننا يوما أن الموت سيأخذهم ومنهم من هم في ريعان شبابهم -بالرغم من إيماننا أن الموت لا يفرق بين صغير وكبير، سقيم ومعافى، غني وفقير- غادرونا إلى الرفيق الأعلى تباعا، واحترقت قلوبنا لفراقهم – ونحن راضون بقضاء الله مومنون بأن ما يريده المولى لنا خير مما نريده لأنفسنا-. فاللهم ياواسع الرحمة، اشملهم بعنايتك، وأدخلهم فسيح جنانك، وتقبلهم قبولك للأبرار, ولا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم. ﴿كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام﴾ ﴿كل من عليها فان﴾ كل من على الأرض فان، زائل، فأنت لا محالة ميت، وكل من تحبه ومن تراه عينك قبور تمشي على الأرض، على حد قول العارف بالله سيدي عبد القادر الجيلاني رحمه الله. وقد يطرح السؤال التالي: هل قدر الإنسان أن يعيش حياته كلها يتجرع ألم فقدان الأحبة؟ أليس ثمة من حبيب لا يموت؟ يقول سبحانه: ﴿إلا وجهه﴾ ويقول أيضا: ﴿ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام﴾ أي"ويبقى ذات الله الواحد الأحد، ذو العظمة والكبرياء والإنعام والإكرام. الكل فان والله باق، حي لا يموت، فبشرى- من صميم القلب – لمن كان المولى جل وعلا محبوبه، هنيئا لمن غلب حب ذو الجلال والإكرام، حبه لمن سواه، فاستعجل الموت سبيلا للقاء المحبوب.
إن الموت فرصة مناسبة لطرح الأسئلة، أسئلة حول وجودنا والهدف منه وبخصوص ما قدمنا في دنيانا لآخرتنا. الخوف من الموت غريزة حية لا معابة فيها، وإنما العيب أن يتغلب هذا الخوف علينا ولا نتغلب عليهِ. سندرك في يوم من الأيام أن الحياة بحرٌ من الذكريات يصبّ في بحر النسيان، أما الموت فهو الحقيقة الراسخة. و كلما أجبنا عن سؤال تنهال علينا أسئلة أخرى من حيث لا ندري ولا نحتسبُ، وبعد كل هذا الشد والشذب تدرك أن العبرة في الحياة ليست بما تشاهده العين من وجوه، ولكن ما يستقر في النفسِ من أثرٍ، قيمتنا فيما ننتجه، وفي البصمة التي نتركها بعد وفاتنا، فكم من الناس ألهموا العالم وغيروا مجرى البشرية بوجودهم، وكم من نفس عاشت وماتت دون أن تترك أي تغييرٍ يذكر! فاختر أنتَ من تكون. نعم! فراق الأحباب مؤلم، لكن نحتمله ونتحلى بالصبر حين نعلم أنه سيُتبَع بعد أشهر أو سنوات بلقاءٍ. الأكثر إيلاماً ووجعاً هو الفراق الأخيرُ، عندما نشعر بالفراغ بدواخلنا بعد النظرة الأخيرة، وبالألم المزمن بعد الوداعِ، فكلما تعودت النفوسُ على أشخاصٍ وكلما تخالطت الأفراح والأحزان يكون الفراق صعباً وقاتلاً، ولكن عندما نفكر قليلا نجد أن هذه سنة الحياة وقانونا أزلياً في الكون، مهما هربنا وتهربنا من الواقع فإننا ندرك أننا سنفقد آباءنا وإخواننا وأحبابنا في يومٍ من الأيام، لنستيقظ أمام الواقع المرير الذي تفرضه الحياة علينا.