العلماء صاغوا من هذا مبدأ عاما «الاعتماد على الأسباب شرك، وترك الأسباب جهل»، لافتاً إلى أن سيدنا النبى يعلمنا فى سيرته هذا المبدأ العام الذى بنيت عليه أشياء كثيرة، لا تعتمد على الأسباب بقلبك فإن الله هو الفاعل الحقيقي، و»لا حول ولا قوة إلا بالله»، من كنوز العرش، لكن إياك إياك أن تترك الأسباب، فليس لنا أن نختبر الله، الله يختبرنا، إياك إياك أن تخرج عن ما خلقه الله فتكون معترضا على ذلك وتصاب بالفشل الذريع، ولا تصل إطلاقاً إلى مرادك، الفلاح يلقى الْحَبّ ثم يدعو ويقول: يا رب. فإذا لم يلقِ الْحَبّ لن يوجد زرع. وأشار إلى أن سيدنا النبى عندما خرج إلى أُحُد، خالف بين درعين-يعني: درع فى الوجه ، ودرع بالظهر-، ولكن أليس درع واحد يكفى؟ لأ، درعين، درع فوق درع. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة مريم - الآية 25. ولبس الخوذة، يسموها: اللأمة. ولكن الله تعالى قال له: «وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» ربنا يحميه فلا يوجد شيء يؤذيه ، ولكن يجب أن نأخذ بالأسباب نذهب إلى الحرب فنلبس لباس الحرب. ونقول: يا رب انصرنا، يا رب استرها معنا.. سيدنا النبى يقول: «لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكُّله؛ لرزقكم كما يرزق الطيرَ: تغدوا خماصًا وتروح بطانًا» «تغدو». أن هذا مبدأ عظيم لو وقفنا عنده وتدبرناه وتأملناه وتعمقنا فيه ثم طبقناه، فإن ذلك سيكون سببا فى الوصول إلى النجاح، أن تكون ناجحا فى مقاصدك.
وهكذا حصل للسيدة مريم حيث تمنت الموت من هذه الفتنة التي ابتليت بها، من كونها ولدت غلاماً ولا زوج لها، فماذا سيقول الناس؟ فلما ألجأها المخاض إلى جذع النخلة الميت الذي لا تمر فيه؛ تمنت الموت، فناداها من تحتها جبريل أو ناداها عيسى: أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا [مريم:24]. فعيسى هو السري النبيل الكريم الشاب الصالح، الذي سيكون علامة وآية من آيات قدرة الله، ويكون رحمة للناس. فمن قال: إن جبريل هو الذي ناداها، فالمعنى: قد أكرمك بهذا السري، أي: السيد الجليل والنبي الكريم، ومن قال: إن المنادي ولدها عيسى قال: السري هو النهر الصغير، أي: الجدول الجاري من الماء، فقوله تعالى: فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا [مريم:24] أي: قد جعل وادياً جارياً بالماء. تفسير قوله تعالى: (وهزي إليك بجذع النخلة... ) تفسير قوله تعالى: (قال إني عبد الله آتاني الكتاب... ) تفسير قوله تعالى: (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق... وهزي اليك بجذع النخلة يتساقط عليك رطبا جنيا. ) قال تعالى: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ [مريم:34]. ذلك كل ما تعلق بـ مريم منذ ابتعادها عن أهلها في مكان قصي، ومنذ حملها لعيسى وولادتها له إلى أن جاءت به تحمله، فتكلم الصبي في المهد وقال عنها قومها ما قالوا.
قال تعالى: فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا [مريم:24]. قال أكثر المفسرين: المنادي هو جبريل، فقد كانت هي عند جذع النخلة، وكان هو يشرف على ولادتها من بعيد في أسفل الوادي، وفي هذه الحالة الحرجة نادى جبريل من أسفل الوادي ليقوي معنوياتها ويثبتها ويؤكد لها البشرى التي جاء بها من الله؛ لأنها ستلد نبياً يكون علامة ورحمة ومرجعاً لبني إسرائيل. وقال مفسرون آخرون: الذي كان يناديها من تحتها هو وليدها عيسى وهو لا يزال طفلاً جميلاً، وإذا بها تسمع نداءه: أَلَّا تَحْزَنِي [مريم:24] أي: يجب أن تستبشري وتفرحي وتقابلي ربك بالسرور والفرحة لا بالحزن والآلام وتمني الموت، فمن سنة نبينا أنه لا يليق بالإنسان أن يطلب الموت من بلاء نزل به، ومع ذلك كثير من السلف الصالح عندما فتنوا في أنفسهم ودينهم دعوا الله بالموت. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة مريم - الآية 25. وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ندعو عند الفتنة بالدعاء النبوي الصحيح الثابت في الصحيحين وبقية الكتب الستة: ( اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خير لي)، والخير والشر لا يعلم نهايته إلا الله، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام علمنا أن ندعو بالحياة ما دامت الحياة خيراً لنا في ديننا ودنيانا، ونطلب الممات إذا كان الموت خيراً لنا في ديننا ودنيانا، إذ الفتنة في الدين بلية ومصيبة، وقد يرتد الإنسان من أجلها عن دينه، فيكون الموت خيراً له في دينه ودنياه.
نرى من خلال سورة مريم أن معجزات الله سبحانه وتعالى في كونه لا تعد ولا تحصى، فهناك تطابق كبير بين آيات القرآن الكريم والكثير من الحقائق العلمية التي يكتشفها العلماء، ففي سورة مريم نستدل على فوائد التمر والتمارين الرياضية للمرأة الحامل، وكل هذا يشير إلى رحمة الله تعالى بعباده، فعلينا أن نتدبر القرآن الكريم لنستدل من خلاله على الإعجاز العلمي وقدرة الله تعالي العظيمة، وفي هذا المقال قمنا بتفسير وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا.
فالسيدة مريم (ع) شعرت بالحزن حين وضعت السيدَ المسيح (ع) ولعلَّ ذلك نشأ من خشيتها إتهامَ الناسِ لها وعدم قدتها على الدفاع عن نفسها، إذ ليس ثمة ما يُوجب تصديقها. فأراد الله تعالى أن يُسرِّي عن حزنها ويُظهر لها عنايته بها وكرامتها عنده فكان منه أنْ جعل تحتها نهراً يجري بالماء لتشرب منه وتغتسل به ثم أمرها أن تحرِّك الجذع الذي تستند إليه فيُصبح نخلةً مثمرة ذات رطبٍ جني بعد أن كان جذعاً نَخِراً متهالكاً. وكلُّ ذلك بمقتضى طبعه يبعث البشرى في النفس وأنَّ الله تعالى لما كان قد أكرمها بمثل هذه الكرامة فإنَّه لن يتركها وقومها دون أن يتولَّى تبرئتها مما قد يقذفونها به. فكان كلُّ ما وقع لها بعد الوضع واقعاً في سياق التطمين لقلبها، وصيرورةُ الجذعِ البالي نخلةً ذاتَ رطبٍ جني بعد تحريكها له بيدها أبلغُ في التطمين لقلبها والوثوق بأن عناية الله تعالى ترعاها، ولعل ذلك هو منشأ الأمر بهزِّ الجذع وعدم صيرورته نخلةً ذات رطبٍ جنيٍّ ابتداءً ودون تحريكها له. قال تعالى: ﴿فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا/فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا/وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا/فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا.... ﴾ ( 3)
المتين قال تعالى: إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين "58" (سورة الذاريات) هو الله الرزاق ذو القوة المتين، وهو الذي لا تتناقص قوته. عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله تعالى "المتين" يقول "الشديد". وفي اللغة يقال: هو متين القوي، ومن المجاز يقال: رأي متين. واسمه تعالى "المتين" يدل على القوة والقدرة والله سبحانه متم قدره، وبالغ أمره. وقد ذكر "المتين" سبحانه، مرة واحدة في الكتاب المبين في قوله تعالى: إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين "58" (سورة الذاريات) وعندما تتجمع القوة مع القدرة ومع التقدير يكون التوازن العادل بإحسان، فكونه هو الخالق لكل شيء بقدر. وهو القادر على تنفيذ القدر مع تقدير للأمور فتكون القوة من شديد القوى المحكمة. التي لا تعرف التناقض، فقد تكون القوة وتنقصها حكمة التقدير، فيكون الإخلال في المسير، ولكن الله سبحانه وتعالى صاحب القوة ـ وهو شديد القوى حتى تعتدل الموازين في دنيا الأغيار، ويوم يقوم الأشهاد. [ عودة للقائمة الرئيسيّة]
ولقد ورد في القرآن اسم آخر يشير إلى سمة الرزق هو خَيْرُ الرَّازِقِينَ، فهو صورة لنفس الاسم (الرزاق)، فالأصل في تعيين وتصنيف الأسماء هو السمة التي يشير إليها الاسم وإنما تتعدد الصور وفقاً لمدى مجالات الفعل. وبداية يجب العلم بأن كل ما سوى الله هو من نتاج أفعاله المتعددة الوارد ذكرها في القرآن….
من أسماء الله الرزاق ذو القوة المتين، وهذه الأسماء تتضمن صفات عظيمة يجب وصف الله بها حقيقة. أثبت الله عز وجل لنفسه الإرادة والمشيئة، ويندرج تحتها كل ما شاءه الله عز وجل وقدره وقضاه، وإرادة الله عز وجل نوعان: إرادة كونية قدرية، وإرادة شرعية دينية على حسب ما وردت به النصوص، خلافاً لأهل البدع الذين يثبتون إرادة واحدة، معارضين بذلك النصوص الواردة في المسألة.
إن مصطلح الرزق يطلق على الفعل كما يطلق على مجاله أو مواده، وبالمعنى الثاني فهو جماع العناصر اللازمة للكائن للحفاظ علي بقائه في عالمه، والرزق بالمعنى الأول هو عملية سوق هذه المواد إلى الكائن لتكون في متناوله وذلك بعد أن يتم تخصيصها له.
الفرق بين الصفات الفعلية والذاتية هذه الآيات الكريمات فيها إثبات صفة فعلية من صفات الله عز وجل، وهي صفة المحبة، وهذا أول ما ذكره المؤلف رحمه الله مما يتعلق بالصفات الفعلية، وتقدم لنا فيما سبق أن الصفات تنقسم إلى قسمين: صفات فعلية، وصفات ذاتية، والصفات الذاتية هي الصفات التي لم يزل ولا يزال الله جل وعلا متصفاً بها أزلاً وأبداً، وتقدم لنا منها: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، وسيأتي بقية ما يكون من صفات الله عز وجل الذاتية، وهي ليست محصورة بالسبع، لكن أشهرها السبع التي يثبتها مثبتة الصفات من الأشاعرة والكلابية والماتريدية. أما الصفات الفعلية: فهي الصفات التي تتعلق بالمشيئة. هذا ضابطها: كل صفة تعلقت بالمشيئة فإنها صفة فعلية، فكل ما تعلق بالمشيئة: إن شاء الله فعله، وإن شاء لم يفعله فإنها من الصفات الفعلية، هذا هو الحد المميز أو الفاصل بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية. الصفة الفعلية التي ذكرها المؤلف هنا هي صفة المحبة، والآيات التي ساقها رحمه الله كلها تدل على إثبات صفة المحبة لله سبحانه وتعالى، ومن حسن تصنيف المؤلف رحمه الله أنه أتى بهذه الصفة بعد ذكر المشيئة؛ لأن جماعة من المتكلمين المبتدعين جعلوا المشيئة هي المحبة، ففسروا المشيئة بالمحبة، والمحبة بالمشيئة، فقالوا: إن قوله تعالى: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195] هذه لا نثبت بها صفة المحبة بل هي المشيئة، فأولوا وعطلوا الرب جل وعلا عن هذه الصفة، فأتى رحمه الله بعد إثبات المشيئة ببيان هذه الصفة، والأدلة الدالة على ثبوتها.