وأما القول الذي رُوي عن ابن عباس أنه الرزق الحلال، فهو مُحْتَمَل أن يكون معناه الذي قلنا في ذلك، من أنه تعالى يقنعه في الدنيا بالذي يرزقه من الحلال ، وإن قلّ فلا تدعوه نفسه إلى الكثير منه من غير حله. لا أنه يرزقه الكثير من الحلال، وذلك أن أكثر العاملين لله تعالى بما يرضاه من الأعمال لم نرهم رُزِقوا الرزق الكثير من الحلال في الدنيا، ووجدنا ضيق العيش عليهم أغلب من السعة. وقوله ( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فذلك لا شك أنه في الآخرة. وكذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي مالك، عن ابن عباس ( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) قال: إذا صاروا إلى الله جزاهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سَمِيع، عن أبي مالك، وأبي الربيع، عن ابن عباس، مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن إسماعيل بن سَمِيع ، عن أبي الربيع، عن ابن عباس ( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ) قال: في الآخرة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن سَمِيع ، عن أبي الربيع، عن ابن عباس، مثله.
نماذج من أقوال مَن ذاقوا الحياة الطيبة: ♦ إبراهيم بن أدهم التابعي الإمام الزاهد: قال لبعض أصحابه يومًا: " لو عَلِم الملوكُ وأبناءُ الملوك ما نحن فيه - أيْ: من السعادة والسُّرور - لجالَدُونا عليه بالسيوف "؛ " البداية والنهاية لابن كثير ". قال ابن الجوزي في "صيد الخاطر" معلِّقًا على كلام ابن أدهم: "ولقد صَدَقَ ابن أدهم؛ فإنَّ السلطان إنْ أكل شيئًا خاف أن يكون قد طُرِحَ له فيه سُم، وإن نام خاف أن يُغتال، وهو وراء المغاليق لا يمكنه أن يخرج لفرجة، فإن خرج كان منزعجًا من أقرب الخلق إليه، واللَّذَّة التي ينالها تَبْرد عنده، ولا تُبقِي له لذَّة مطْعم، ولا مَنْكح. وكلما استظرَفَ المطاعم أكثر منها ففسدَتْ معدته، وكلَّما استجدَّ الجواري أكثر منهن فذهبت قُوَّته، ولا يكاد يبعد ما بين الوطء والوطء، فلا يجد في الوطء كبيرَ لذَّة؛ لأنَّ لذَّة الوطْء بقدر بُعْد ما بين الزَّمانين، وكذلك لذَّة الأكل. فإن من أكل على شِبَع ووَطِئ من غير صدْقِ شهوة وقلق، لم يجد اللذَّة التامة التي يجدها الفقير إذا جاع، والعزب إذا وجد امرأة. ثم إن الفقير يَرمي نفسه على الطريق في الليل، فينام ولذَّة الأمن قد حُرِمها الأمراء، فلذتهم ناقصة وحسابهم زائد.