الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فإن الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب هم من اتصفوا بأربع صفات كما جاء في الصحيحين وغيرهما، وهذه الصفات هي: أنهم لا يسترقون.. أي لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم، وأنهم لا يتطيرون... أي لا يتشاءمون، وأنهم لا يكتوون... صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب. أي لا يستعملون الكي كعلاج لأنفسهم وهذا محمول على غير حال الضرورة، وأنهم على ربهم يتوكلون... أي يفوضون أمرهم إلى الله مع بذل الأسباب. وتوضيح ذلك أنهم بلغوا درجة عالية من الإيمان والتوكل على الله تعالى والاعتماد عليه جعلتهم يسلمون أمرهم كله إليه -سبحانه وتعالى- فلا يعتنون ولا يهتمون بهذه الأمور، وأما الفال الحسن -التفاؤل- فهو مستحب وهو من حسن الظن بالله تعالى وليس من الطيرة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتفاءل ويحب الفال الحسن، فقال صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية لما جاء سهيل بن عمرو للمفاوضة: لقد سهل لكم من أمركم. رواه البخاري ، بعكس الطيرة فإنها من سوء الظن بالله، ومن ردته الطيرة فقد أشرك، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في أكثر من عدة فتاوى بإمكانك أن تطلعي على بعضها تحت الأرقام التالية: 9468 ، 28954 ، 29745.
يقول الشيخ العلامة ابن العثيمين – رحمه الله-: حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة حديث طويل مشهور، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سواداً عظيماً قد سد الأفق فقيل له: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فجعل الصحابة رضي الله عنهم يتساءلون بينهم من هؤلاء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون). صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب - سطور. قوله: لا يسترقون، أي: لا يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم لمرض كان فيهم، ولا يكتوون، أي: لا يطلبون من أحد أن يكويهم، ولا يتطيرون، أي: لا يتشاءمون، وعلى ربهم يتوكلون، أي: يعتمدون اعتماداً كلياً. فعلم من قوله: لا يسترقون أنهم لو قرؤوا على غيرهم فلا بأس، ولا يحرمون من هذا الثواب العظيم، وأنه لو قرأ عليهم غيرهم بلا طلب منهم فلا بأس، ولا يحرمون من هذا الثواب العظيم، وكذلك من كواه غيره بلا طلب منه فإنه لا يحرم هذا الثواب. أما التطير فهو التشاؤم، قال العلماء: التشاؤم يكون بمرئي أو مسموع أو معلوم، والتشاؤم من مرئي: مثل أن يرى شيئاً فيقع في نفسه التشاؤم، كأن يرى طيراً أسود فيقول: هذا سواد يومي، أو كأن يرى أمامه إنساناً عثر فمات فيتشاءم ويقول: إن ذهبت في هذا الطريق حصل لي مثلما حصل لهذا الشخص، أو ما أشبه ذلك، والتشاؤم بمسموع: مثل أن يسمع كلمة نابية فيتشاءم ويرجع عن حاجته.
وذكر بأن صنفا من أهل العلم من رأى وجوب التداوي، وخصوصا عندما يغلب ظن الهلاك بالمرض، أو غلب على التشافي استخدام الدواء، شرط أن يكون مع الاستخدام اعتماد على الله. مبينا أن المذكور في الحديث سبب إشكالا لدى الأذهان، فالحديث يوحي أن الأجر عند تركها، لكنه عليه السلام فعل الكي لسعد بن معاذ رضي الله عنه يوم الخندق، رغم كرهه عليه السلام للكي، وثنائه على تاركه. اناسا يدخلون الجنة بغير حساب... ونفى ما يتداوله البعض في أن التمسك بظاهر الحديث مهلك، مضيفا «أوامره عليه السلام فيها النجاة والحياة، ولابد من النظر ببصيرة لما يشكل علينا أحيانا من ظاهر النصوص». مؤكدا أن الوسائل المذكورة للتداوي في الحديث ليست الوحيدة، فيمكن استخدام علاجات أخرى إن غلب الظن تحقيقها النجاة، شرط وجود المقدرة على استخدام الدواء، وخلوه من المحرم. تهميش الأسباب وعلق اللويحق أن ظاهر الحديث ورد فيه ذكر الصفات التي ميزت الداخلين للجنة بغير حساب عن غيرهم، وأردف عضو هيئة التدريس في جامعة الطائف بأن الحديث، أشار إلى ضرورة توكل العبد على الله، وعدم اعتماده على غيره، على ألا تهمش الأسباب الأخرى، فالأخذ بها فطرة وشريعة. مضيفا «لعل المقصود من الحديث تحقيق التوكل على الله، وربط النفوس به، كما قال تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) وقطع التعلق بأسباب مادية، لا كما يظنه البعض أن فيه دعوة لترك الأخذ بالأسباب».
فقام عكاشة بن محصن رضي الله عنه فقال: ادع الله لي أن يجعلني منهم، فقال: أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة) (متفق عليه واللفظ للبخاري). وهؤلاء السبعون ألفا المشار إليهم في الحديث إنما بلغوا ما بلغوه لمزايا خاصة اختصوا بها ذكرت في الحديث، فقد وصفهم النبي بأنهم ( هُمْ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَلا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون). وجاءت الأحاديث مصرحة بأن هذا هو السبب الذي من أجله دخلوا الجنة بلا حساب كما في البخاري عن ابن عَبَّاسٍ وفيه قول النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ قَالَ هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ وَهَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ. قُلْتُ: وَلِمَ؟! قَالَ كَانُوا لا يَكْتَوُونَ وَلا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ). الذين يدخلون الجنة بغير حساب. النبي يستزيد ربه ولما كان هذا العدد يعتبر قليلا في سواد الأمة العظيم فقد من الله سبحانه وبحمده على أمة حبيبه وجعل مع كل ألف سبعين ألفا، روى ذلك الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي أمامة بإسناد صحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بلا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون، وثلاث حثيات من حثيات ربي).
يارب 2016-11-24, 07:09 PM #6 2019-01-24, 07:30 PM #7 رد: اناسا يدخلون الجنة بغير حساب.. أثر لا يصح في فضل العفو والصبر والتزاور في الله.