من الأحكام التي تنبني على عقد النكاح أن من تزوج امرأة وطلقها قبل الدخول بها وقبل أن يفرض لها مهراً فله أن ينفق عليها بالمعروف حتى تتزوج، وهذا من قبيل الإحسان والمعروف، كما أن من طلق زوجه قبل الدخول بها وبعد أن حدد لها مهراً فإن لها نصف ذلك المهر، وأما إن طلقها بعد الدخول بها فإن لها كامل المهر المسمى بينهما، ولهما أن يتعافيا كل بحقه عند الآخر، فللزوج التنازل عن كامل المهر ولو لم يدخل بها، وللزوجة التنازل عن نصف المهر عند عدم الدخول، أو بالمهر كاملاً عند الدخول بها. مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة تفسير قوله تعالى: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة... التفريغ النصي - تفسير سورة البقرة _ (112) - للشيخ أبوبكر الجزائري. ) تفسير قوله تعالى: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم... ) تفسير قوله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) مناسبة الآية الكريمة لما قبلها يقول تعالى وقوله الحق: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]. يا عباد الله، أيها الفحول، أيها المؤمنون والمؤمنات! ما السر في الأمر الآن بالمحافظة على الصلوات؟ الجواب: لأن المحافظة على الصلوات هي التي تهذب الأخلاق وتروض النفوس وتوجد الطمأنينة والذكاء والطهر والصفاء في الإنسان، أما تارك صلاة والمتهاون بالصلاة فوالله!
5519 - حدثنا العباس بن الوليد قال: أخبرني أبي قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: القنوت طاعة الله ، يقول الله - تعالى ذكره -: " وقوموا لله قانتين " مطيعين. 5520 - حدثنا سعيد بن الربيع قال: حدثنا سفيان قال: قال ابن طاوس: كان أبي يقول: القنوت طاعة الله. وقال آخرون: " القنوت " في هذه الآية ، السكوت. وقالوا: تأويل الآية: وقوموا لله ساكتين عما نهاكم الله أن تتكلموا به في صلاتكم. الباحث القرآني. 5521 - حدثني موسى بن هارون قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا أسباط ، عن السدي: " وقوموا لله قانتين " القنوت ، في هذه الآية ، السكوت. 5522 - حدثني موسى قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا أسباط ، عن السدى في خبر ذكره ، عن مرة ، عن ابن مسعود قال: كنا نقوم في الصلاة فنتكلم ، ويسأل الرجل صاحبه عن حاجته ، ويخبره ، ويردون عليه إذا سلم ، حتى أتيت أنا فسلمت فلم يردوا علي السلام ، فاشتد ذلك علي ، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أنا أمرنا أن [ ص: 232] نقوم قانتين لا نتكلم في الصلاة ، والقنوت: السكوت. 5523 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال: حدثنا الحكم بن ظهير ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله قال: كنا نتكلم في الصلاة ، فسلمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد علي ، فلما انصرف قال: قد أحدث الله أن لا تكلموا في الصلاة ، ونزلت هذه الآية: " وقوموا لله قانتين ".
إذاً: وقوموا لله في الصلاة قانتين، والمراد من القنوت هنا السكوت، إذ كانوا قبل هذه الآية يتكلمون في الصلاة، يسلم عليه فيقول: وعليكم السلام، تقول: أين الدابة؟ فيقول: عند الباب، تقول: تعشيتم؟ فيقول: لا أو نعم، يتكلمون بالضرورة، فلما نزلت هذه الآية سكتوا، فمن تكلم بأمور الدنيا الخارجة عن الصلاة فصلاته باطلة بالإجماع فاسدة، كيف فسدت؟ ما تنتج وما تولد له الطاقة النورانية، اختل أداؤها وبطل مفعولها. بيان معنى قوله تعالى: (وقوموا لله قانتين). فأصبح بهذا أنه لا يصح الكلام في الصلاة إلا إذا كان لإصلاحها، كما لو أن الإمام قام للخامسة فقلنا: سبحان الله، سبحان الله، فما عرف، فنقول: هذه خامسة، ويجوز هذا؛ لأن هذا الكلام لصالح الصلاة، فإن كان لصالح الصلاة فلا بأس وعلى قدر الحاجة أيضاً. أما الضحك مطلقاً والكلام لغير الصلاة فمبطل للصلاة بالإجماع، وجاز التبسم، إذا ابتسم المؤمن فلا حرج أن يظهر أسنانه بين شفتيه، لا يقول: هاه هاه أو يقهقه، فحينئذ تبطل الصلاة بالإجماع، وبعض أهل العلم يقول: وضوؤه باطل أيضاً، والصحيح أن وضوءه لا يبطل. حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] واقفين ساكتين، لا بيع ولا شراء ولا كلام في أمور الدنيا أبداً.
ولاعلاقة لمفهوم قنت بطاعة الزوج أو التفرع لخدمته ابداً أمَّا دلالة كلمة (قنط)؛ فهي تدلُّ على وَقْف شديد وستر، منتهية بدَفع أشدّ؛ حيث يفقد الإنسان توازنه وتماسكه الداخلي. انظر إلى قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. وقوله {لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ} [فصلت: 49]. وقوله: {قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ}{قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ} [الحجر: 55- 56].
تفسير قوله تعالى: (فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً... ) ثم قال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ [البقرة:239] هذه صلاة الخوف: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239]، صلوا على أرجلكم أو أنتم راكبون على الخيول والدبابات والطائرات إن خفتم من العدو، وصلاة الخوف مفسرة في سورة النساء، كيف؟ يقسم القائد الجيش فرقتين، فرقة تصلي، والأخرى تحرس، فتصلي هذه ركعة وتذهب تحل محل تلك، وتأتي الطائفة الثانية فتصلي ركعة وتعود، وتأتي الأخرى فتصلي مع الإمام ركعة وتسلم. ولها صور عدة، وإذا ما أمكن ذلك فإنهم يصلون وهم على الدبابات والخيول، أو يصلي وهو يجري على الأرض يطارد العدو والرمح بيده وهو يصلي، فعل هذا أصحاب رسول الله. وهل هذا يفعله المؤمنون؟ تستطيع أن تقول: إن (55%) من العالم الإسلامي ما يصلون أبداً، وما الدليل؟ الدليل الهبوط، كيف هبطنا من علياء السماء بعدما كنا قادة الدنيا وسادتها ومربيها ومعلميها؟ أصبحنا تحتهم، ما سبب هذا؟ انطفأت تلك الأنوار من قلوبنا، أضعنا الصلاة ومنعنا الزكاة. فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239]، معنى (رجالاً): على أرجلكم، ليس المعنى: ضد النساء، (رجال) تمشون وتصلون، (أو ركباناً) على أية دابة أو على أي مركوب.
وقومة الفريق يباركها صدق أفراده، وإخلاصهم لله -عز وجل-. والقيام لله -عز وجل- يهيئ الفرص، ويفتح المجال لولادة جيلٍ جديدٍ مِن براعم فتية، وطلائع زكية، وسط ذلك الحقل البديع اليانع ثماره وبركاته على كل مَن يتعامل معه أو يراه: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) (مريم:96). أي: ودًّا ومحبة فيما بينهم، وكذلك مع غيرهم، وكذلك رحمة ومودة عند اختلافهم.