قلم التحرير الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمَّد وعلى آله وصحبه، وبعد: شاء الله بحكمته ألَّا يخلو عصرٌ أو مكانٌ من مصلحين ومفسدين، وجعل التدافع سُنَّة باقية فيما بينهم بل في داخلهم أحياناً؛ حتى تستمرَّ الحياة، ويجاهدَ المؤمنون المصابرون المرابطون على الثغور لإقامة مطلوب الله فوق الأرض بعد إحيائه في القلوب وإزالة أيِّ عائق أمامه. ومن الطبيعي أن يكون لكلِّ فريق منهم سمات وطبائع تميِّزهم وتدمغ أعمالهم، ومن فضل الله علينا أن أصبح القرآن العزيز شاهداً على الصنفين، ومبيِّناً لكثير من دوافعهم وصفاتهم ومآلاتهم في آيات مُحْكَمة لا يأتيها الباطل أبداً. وسوف يكون الحديث مقتصراً على أهل الفساد والإفساد من باب البيان والتحذير، ولأن شرورهم في هذه الأزمنة تتزايد مع خفاءٍ ومَكْرٍ حيناً، وباستعلاءٍ وإعلانٍ قبيحٍ أحياناً أخرى، تحت ستار من قوة ظاهرها أكبر من حقيقتها، وحقيقتها لا تتجاوز محض الهشاشة وسهولة التلاشي والزوال لو اجتمع الضعفاء على صدِّها ومنعها مرة واحدة فقط كي يشاهدوا تساقطها السريع المذهل؛ بَيْد أن الخنوع أذلَّ الأعناق وزاد الرَّهَق والبلاء، ومكَّن للشر أن يستطيرَ ويستطيلَ.
أيها الحبيب! إن أهل الباطل لا يستحيون من أن يرفعوا أصواتهم بالباطل، فنقول لك: ألست على الحق؟ فلماذا تًنادي على هذا الحق بصوت خافت؟ أيها الحبيب! لا تطوينَّ الصفحات إلا وقد تحرك داخلك الشعور بأنك مسئول عن هذا الدين، فإن لم يكن هذا الشعور قد أتاك فكرر القراءة مرات ومرات وتدبر حتى تستجلبه، فإن هذا الشعور ما ينبغي أن يغيب عن المؤمن صاحب العقيدة الصحيحة الصافية، وصاحب القلب السليم. وقال فرعون ذروني اقتل موسى وليدع ربه. فلا تطوينَّ الصفحات.. إلا بعدما تجد هذا الشعور يسري في داخلك لتردد كل ذرة وكل قطرة من دمائك وتقول: " أنا لهذا الدين"
وقفات مع آيات (9) وقفات دعوية مع قصة مؤمن آل فرعون (موعظة الأسبوع) كتبه/ سعيد محمود الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ المقدمة: - هي قصة تحكي حلقة من حلقات الصراع بين الحق والباطل، وهي ليست قصة نبي من الأنبياء، ولكنه مؤمن صادق الإيمان، قوي الحجة، يدعو إلى الله -عز وجل- بالحكمة والموعظة الحسنة، محتسبًا أجره من الله، ومفوضًا أمره إليه في مواجهة الطغاة والبغاة: قال -تعالى-: ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ. طبائع الفساد والإفساد - طريق الإسلام. وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ. وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ. يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ.
يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ (الأحقاف29-31). فهل تراهم أيها الحبيب انتظروا لكي يأذن لهم في الدعوة لدين الله وتبليغ ما سمعوه من -النبي صلى الله عليه وسلم -أم أن الشعور بالمسئولية عن دين الله تحرك في داخلهم، فأدوا الواجب الذي عليهم لقومهم، وكأنهم سمعوا أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: (بلغوا عني ولو آية) (رواه البخاري ومسلم)، فقاموا بالامتثال بمجرد أن استمعوا إلى الأيات التي تلاها النبي -صلى الله عليه وسلم- فلسان حالهم يقول: نحن لهذا الدين، نحن نتحمل مسئولية هذا الدين، فأدوا ذلك الواجب الذي عليهم. أفتعجز أيها الحبيب أن تكون كهؤلاء، أكانت لديهم مقومات مفقودة عندك، أم هو التقصير والخمول وموات القلوب؟ الصورة الرابعة: هذا الطائر الذي أنقذ الله به أمة، إنه الهدهد. لا تغمض عينيك. فبعد عودة هذا الهدهد من غيابه طرح هذه القضية على سليمان -عليه السلام- تلك القضية أقلقت الهدهد وأفزعته، فأصيب بالهلع والفزع عندما رأى هذه المملكة تتوجه في عبادتها لغير الله -تعالى-، فقال لسليمان -عليه السلام-: ﴿ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ.
﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾(يس: 26، 27). إن لسان حال هذا الرجل لينطق ويقول: أنا مسئول عن هذا الدين. الصورة الثانية: مؤمن آل فرعون: فهذا الرجل المسلم كان في عهد موسى -عليه السلام-، ولكنه والله ما تقاعس عن تحمل مسئولية هذا الدين، وما ألقى بها على موسى وقال من أنا، فهذا موسى -عليه السلام- رسول مبعوث من قبل الله، ومؤيد من الله -تعالى-، ولكنه والله قام وأدى الواجب الذي عليه، وقام في وجه أعتى طاغية عُرف على وجه التاريخ. وقال فرعون ذروني اقتل موسى مكتوبة. وقف في وجه هذا الطاغية مُعلناً ومردداً لكلمة الحق لما سمع فرعون يقول: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ (غافر: 26). فلم يتحمل هذه السخافات والسفاهات، فنادى في قومه: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ.