وما بدر وأحد والأحزاب وتبوك وحنين وغيرها من غزواته وسراياه التي بلغت مائة غزوة وسرية، إلا صفحات مضيئة من صبره وجهاده صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يخرج من غزوة إلا ويدخل في أخرى، حتى شُجَّ وجهه الشريف، وكسرت رباعيته، واتهم في عرضه، ولحقه الأذى من المنافقين وجهلة الأعراب. صبر النبي صلي الله عليه وسلم زخرفه. بل روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمة، فقال رجل من الأنصار: والله ما أراد محمد بهذا وجه الله، قال ابن مسعود: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فتمعر وجهه وقال: (رحم الله موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر). ومن المواطن التي صبر فيها النبي صلى الله عليه وسلم، أيّام موت أولاده وبناته، حيث كان له من الذرية سبعةٌ، توالى موتهم واحداً تلو الآخر حتى لم يبق منهم إلا فاطمة رضي الله عنها، فما وهن ولا لان، ولكن صبر صبراً جميلاً، حتى أُثر عنه يوم موت ولده إبراهيم قوله: (إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون). ولم يكن صبر النبي صلى الله عليه وسلم مقتصراً على الأذى والابتلاء، بل شمل صبره على طاعة الله سبحانه وتعالى حيث أمره ربّه بذلك في قوله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} (الأحقاف: 35)، وقوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (طه: 132)، فكان يجتهد في العبادة والطاعة حتى تتفطّر قدماه من طول القيام، ويكثر من الصيام والذكر وغيرها من العبادات، وإذا وكان شعاره في ذلك: أفلا أكون عبدا شكورا ؟ لقد كانت وقائع سيرته صلى الله عليه وسلم مدرسة للصابرين، يستلهمون منها حلاوة الصبر، وبرد اليقين، ولذة الابتلاء في سبيل الله تعالى.
قال فقلت: ذلك أن لك أجرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها" (رواه مسلم في البر). صبر النبي صلي الله عليه وسلم بخط الرقعه. 5- وصبر على موت أحبابه، كما صبر على وفاة زوجته خديجة رضي الله عنها، وقد قدر الله موت أبنائه الذكور جميعًا في حياته، ولم يبق بعده من بناته إلا فاطمة الزهراء رضي الله عنها. ** ** ** حقًّا، لقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم مثالاً عمليًّا للصبر.. ولكل الأخلاق الفاضلة.. وهي خير نموذج نحتذي به ونتأسى، في حياتنا.. مقالات ذات صلة أخبار و مقالات مرتبطة بنفس الموضوع
هي قصة الدرب الطويل الذي مشت عليه البشرية مرات ومرات، يبدأ أولى الخطوات فيه نبي مرسل يحمل آيات الله تضيء له جنبات الطريق، ويشق مع أتباعه خط السير من الظلمات إلى النور، كان الدرب ولا يزال مستقيماً، لا عوج فيه، فشرط الوصول إلى الله استقامة الطريق إليه، كذب الرسل، وأوذوا في ربهم، وعذب أتباعهم، ولاقوا جميعاً ما لاقوا في سبيل الخروج من الظلمات إلى النور. شن المشركون حرباً مفتوحة على جبهات متعددة لمواجهة الإسلام، وإيذاء الداخلين فيه، وكان عناد المشركين يزداد في كل يوم جديد، ويفجر غضبهم في مواجهة الدعوة والداعي والمستجيبين له، وصعب على المشركين أن يصبروا طويلاً، وهم يرون الدين الجديد يدخل بيوتهم، ويفضح جاهليتهم، ولم تجدهم نفعاً حملات الاستهزاء والسخرية والمعاندة في الحق، فمدت قريش يد الإيذاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمرت في حملات التشويه والتلبيس والتشويش على النبي وعلى الإسلام وعلى الداخلين فيه. رحمة للعالمين ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بدعا من الرسل، بل ضرب الأنموذج الأكمل في تحمل الاضطهاد والإيذاء المعنوي والبدني، في سبيل توصيل رسالة ربه إلى الناس، وهو رغم ما لاقاه من عنت وكفر وتكذيب وسب وشتم كان يبدو على الدوام أحرص على هداية قومه، حتى يعاتبه ربه على حزنه عليهم، يقول تعالى: فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً (الكهف: 6).
إن الحديث عن صبره عليه الصلاة والسلام ، هو في حقيقة الأمر حديث عن حياته كلها ، وعن سيرته بجميع تفاصيلها وأحداثها ، فحياته صلى الله عليه وسلم كلها صبر ومصابرة ، وجهاد ومجاهدة ، ولم يزل عليه الصلاة والسلام في جهد دؤوب ، وعمل متواصل ، وصبرٍ لا ينقطع ، منذ أن نزلت عليه أول آية ، وحتى آخر لحظة في حياته. صبر الرسول صلى الله عليه وسلم. لقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم طبيعة ما سيلقاه في هذا الطريق ، منذ اللحظة الأولى لبعثته ، وبعد أول لقاء بالملك ، حين ذهبت به خديجة رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل ، فقال له ورقة: يا ليتني كنت حياً إذ يخرجك قومك ، فقال له عليه الصلاة والسلام: ( أو مخرجي هم ؟) ، قال: نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي. فوطن نفسه منذ البداية على تحمل الصد والإيذاء والكيد والعداوة. ومن المواقف التي يتجلّى فيها صبره عليه الصلاة والسلام ، ما تعرض له من أذى جسدي من قومه وأهله وعشيرته وهو بمكة يبلغ رسالة ربه ، ومن ذلك ما جاء عند البخاري أن عروة بن الزبير سأل عبد الله بن عمرو بن العاص عن أشد شيء صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة ، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط ، فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا ، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه ، ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟.
كان من الصفات الجملية التي امتاز بها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هي صفة الصبر، فكانت أوامر الله سبحانه وتعالى لنبيه الكريم محمد عليه الصلاة والسلام بأن يكون صبوراً، فقال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)…سورة النحل: ١٢٧ – ١٢٨. وكان المواقف التي تدل على صبر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو ما حدث معه يوم العقبة أو يوم عودته من عند أهل الطائف عندما نزل عليه جبريل معه ملك الجبال.