[١١] عاقبة أذية المؤمنين قال الله -تعالى-: (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* في جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ)، [١٢] كانت أم جميل وهي زوجة أبي لهب، تؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وذلك بوضع الشوك في طريقه لتعيقه عن أداء مهامه، وكانت مع مكانتها وشرفها تحمل الحطب على ظهرها وهو الشوك لتؤذي به الرسول -عليه السلام-. [١٣] وكان جزاؤها على ذلك الفعل في الآخرة؛ أن الله وعدها بحبل من نار يلف حول عنقها، فأبدل الله مجوهراتها، وذهبها الذي كانت تلبسه في رقبتها في الدنيا، بذلك العذاب في الآخرة.
وأما النصب فعلى جهتين: أحداهما أن تجعل الحمالة قطعا؛ لأنها نكرة؛ ألا ترى أنك تقول: وامرأته الحمالة الحطب، فإذا ألقيت الألف واللام كانت نكرة، ولم يستقم أن تنعت معرفة بنكرة. والوجه الآخر: أن تشتمها بحملها الحطب، فيكون نصبها على الذم، كما قال صلى الله عليه وسلم سيّد المرسلين سمعها الكسائى من العرب. وقد ذكرنا مثله في غير موضع. وفى قراءة عبد الله: {وامرأته حمالةً للحطب} نكرة منصوبة، وكانت تنُم بين الناس، فذلك حملها الحطب يقول: تُحرِّش بين الناس، وتقود بينهم العداوة. {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} وقوله جل وعز: {فِى جِيدِهَا}: في عنقها {حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ... وهى: السلسلة التي في النار، ويقال: من مَسد: هو ليف المُقْل. قال الأخفش: سورة المسد: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} قال: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ} {تبّت} جزم لأن تاء المؤنث إذا كانت في الفعل فهو جزم نحو (ضَرَبَ) و(ضَرَبْتُ). وأما قوله: {وتّب} فهو مفتوح لأنه فعل مذكر قد مضى. فوائد سورة المسد للأطفال مكررة. {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}: وقال: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} يقول: (وَتَصْلَى امرأتُه حمالةِ الحَطَب) و {حمالةُ الحَطَبِ} من صفتها. ونصب بعضهم {حمّالةَ الحَطَب} على الذم كأنه قال (ذكرتُها حمالةَ الحطبِ) ويجوز ان تكون {حمالةَ الحطبِ} نكرة نوى بها التنوين فتكون حالا {امرأته} وتنتصب بقوله: {تَصْلى}.
أما أبو لهب، فقد مات شر ميتة، وانتقم الله لنبيِّه منه. قال ابن إسحاق: بعد غزوة بدر بعدة ليالٍ، أصيب بمرض العدسة [9] فمات، وخاف ابناه أن يقتربا منه ليدفناه فيصابا بالمرض، فتركاه ثلاثًا حتى أنتن، فقال رجل من قريش: ويْحكما، ألا تستحيان؟ ادفنا أباكما! فقالا: نخشى من هذه القرحة، فقال: أنا أعينكما عليه، فأخرجوه إلى الصحراء، فوالله ما غسلوه إلا قذفًا بالماء من بعيد، ما يدْنون منه، ثم احتملوه إلى أعلى مكة، فأسندوه إلى جدار ثم رموه بالحجارة [10] ، وإلى جهنم وبئس المصير [11]. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. المادة باللغة الإنجليزية اضغط هنا [1] ص 938، برقم 4801، وصحيح مسلم ص 114، برقم 208. فصل: سورة المسد:|نداء الإيمان. [2] صحيح البخاري، ص 271، برقم 1394. [3] (25/ 404 - 405) برقم 16023، وقال محققوه: صحيح لغيره. [4] "تفسير ابن كثير" (14/ 497). [5] "تفسير جزء عم"، ابن عثيمين - رحمه الله - ص 351. [6] "تفسير ابن كثير" (14/ 497). [7] (1/ 68) برقم 15، وقال البزار: هذا الحديث حسن الإسناد، وحسنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/ 738). [8] "تفسير ابن كثير" (14/ 499). [9] بثرة تشبه العدسة، تخرج في مواضع من الجسد تقتل صاحبها غالبًا، وهي من البثور المعدية، شبهها بعض المعاصرين بمرض الجدري.