[٣] ولمَّا سمع الملك بهذا الخبر أرسل في طلب قومه واجتمعوا لهذا الأمر، وأخبرهم بقول يونس، وقال لهم بأنَّ قول يونس ليس بهزلٍ وإن صحَّ قوله ذلك فسيكون ما كان من عذابٍ، فاجتمع أهل المدينة على أمرهم، وخرجوا من المدينة ينتظرون العذاب، فرأوا العذاب مقبلًا من ظلمةٍ وريحٍ شديدٍ، فأقرُّوا بذنبهم، وعلموا أنَّ ما جاء به يونس -عليه السلام- هو الحقُّ من ربِّهم. [٤] وتضرَّعوا لله -تعالى- وتوجهوا إليه وسألوه الرَّحمة والمغفرة وأن يصرف عنهم ما أرسل إليهم من عذابٍ، وتعاهدوا فيما بينهم على ترك المنكرات، فما أن آمنوا بالله -تعالى-حتى صُرِف عنهم العذاب، وأنجاهم ممَّا كتب عليهم. الحيوان في القرآن (3).. الحوت الذي أنقذ النبي يونس من ظلمات البحر - بوابة الشروق. [٤] ترك يونس لقومه لمَّا جاء يونس -عليه السلام- في اليوم التالي ورأى قومه لا يزالون يسكنون المدينة، ولم يحلّ بهم نوعٌ من أنواع العذاب، لم يستطع أن يدخل المدينة لأنَّه كان بالأمس قد أخبرهم بقدوم العذاب ولم يأتهم، فخرج من المدينة باتِّجاه البحر، فوجد سفينةً تكاد تنطلق من ساحل البحر، فركب معهم، فما أن سار المركب في البحر حتى أرسل الله ريحًا كادت تغرقهم. [٤] فدعوا الله -تعالى- أن يكشف عنهم ما لاقاهم، وطلبوا من يونس -عليه السلام- أن يدعو معهم، فأبعد الله عنهم هذه الريح، فعادت مرَّة أخرى وكادت أن تغرق السَّفينة، فظنَّ يونس -عليه السلام- أن هذا من خطيئته، فطلب من أهل المركب أن يلقوه في البحر، فلم يفعلوا ذلك.
ولكن المشكلة أن معظم المسلمين فقدوا الإخلاص والعمل، ولم يبقَ لديهم من أسباب استجابة الدعاء إلا المظاهر، ولكن القلوب هي الأساس.
والحديث صححه أحمد شاكر في تحقيق المسند، والألباني في "صحيح الترمذي"، وهو صريح في أن يونس عليه السلام كان في بطن الحوت، لا في فمه. وهذا المعنى أكده أيضا قوله: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) الأنبياء/87. فلو كان في فم الحوت، لما كان في ظلمة تامة؛ لأن الحوت يفتح فمه ويغلقه. من هو النبي الذي كان في بطن الحوت. قال الماوردي في تفسيره (3/ 466): " فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ فيه قولان: أحدهما: أنها ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة جوف الحوت، قاله ابن عباس, وقتادة. الثاني: أنها ظلمة الحوت في بطن الحوت ، قاله سالم بن أبي الجعد" انتهى. وأما رد المعنى الظاهر، المتفق عليه بين المفسرين، بأنه لو كان في بطنه لهلك، فهذا من العجب! فهل هلك إبراهيم عليه السلام ، لما ألقي في النار؟ أو تراه يكذب بإلقاء الخليل في النيران؟ فأي ذلك كان من أمره، فهو عظيم شنيع؟ إن جوز أن يلقى إبراهيم عليه السلام، في النار، ويخرج منها، من غير أن يهلك، كما هو نص الكتاب المبين، والسنة الصريحة، ومعتقد المسلمين عامة؛ فما يمنع أن يكون يونس في بطن الحوت، ولم يهلك؟ فأي استبعاد لكون يونس عليه السلام يبقى في بطن الحوت فلا يضره ذلك!