قال الراوي: وانصرف عليّ بن الحسين عليهما السلام وأقبل الحسن يكرّرها فلما فرغ صالح من قراءة الكتاب ونزل، قال أرى سجيّة رجل مظلوم، أخّروا أمره، ثم كان أن كتب الى الخليفة الأموي في أمره فكتب إليه: أطلقه. ومن كتاب الجنّة الواقية للشيخ الجليل ابراهيم الكفعمي نقرأ لكم أعزاءنا الرواية التالية، قال: رأيت في بعض كتب أصحابنا ما ملخّصه أنّ رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال: يا رسول الله إني كنت غنياً فافتقرت، وصحيحاً فمرضت، وكنت مقبولاً عند الناس، فصرت مبغوضاً، وخفيفاً على قلوبهم فصرت ثقيلاً وكنت فرحاناً فاجتمعت عليّ الهموم، وقد ضاقت عليّ الأرض بما رحبت، وأجول طول نهاري في طلب الرزق فلا أجد ما أتقوّت به، كأن اسمي قد محي من ديوان الأرزاق. فقال له النبي صلى الله عليه وآله: إتّق الله وأخلص ضميرك، وادع بهذا الدعاء، وهو دعاء الفرج: بسم الله الرحمن الرحيم «إلهي طموح الآمال قد خابت إلا لديك، ومعاكف الهمم قد تقطّعت إلاّ عليك، ومذاهب العقول قد سمعت إلا إليك، فإليك الرجاء، وإليك الملتجأ، يا أكرم مقصود، ويا أجود مسؤول، هربت إليك بنفسي يا ملجأ الهاربين بأثقال الذنوب، أحملها على ظهري، ولا أجد لي شافعاً، سوى معرفتي بأنك أقرب من رجاه الطالبون، ولجأ إليه المضطرون، وأمّل ما لديه الراغبون.
ونلاحظ هنا أن إبراهيم استعمل كلمة جميلة رقيقة في مخاطبة والده وهي كلمة (يا أبتِ) وكرر استخدامها عدة مرات في خطابه لوالده، وهي كلمة مرققة تدل على التودد واستمالة العاطفة الأبوية، ويُلاحظ أنه عليه السلام كان غاية في الأدب في حواره مع والده. دعاء سيدنا ابراهيم مكتوب. فسأله باستنكار لم يعبد هذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر ولا تغني عن نفسها شيئًا فكيف تغني عمن يعبدونها.. وقد خاطبه بلغة العقل والمنطق في هذه الجملة إذ كيف لإنسان عاقل فُضِّلَ على سائر الكائنات بالعقل أن يعبد حجارة لا تتكلم ولا تسمع ولا ترى ولا تملك شيئًا، بل هي من صنع من يعبدها. ثم يخبره بأنه رسولٌ من رب العالمين أوحى الله إليه النبوة ليدعو الناس ويخرجهم من الظلمات إلى النور قائلًا: { يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} [مريم:43]، وأخبره أن الشيطان عدو لله وعدو للإنسان إذ يدعوه إلى الشرك والكفر بالله تعالى: { يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا} [مريم:44]. وظل إبراهيم عليه السلام يدعو والده إلى الإيمان بالتي هي أحسن ويتخير ألفاظه ويقول له إنه يشفق عليه من الكفر الذي يجعله مستحقًا لعذاب الله وعقابه وألا يتبع خطوات الشيطان الذى عصى الله تعالى من قبل فأبعده الله وغضب عليه وطرده من رحمته؛ فإنك إن اتبعته أصبحت مثله: { يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم:45].