وأما السنة، فقد روى بعض أهل السنن من حديث أنس رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه درع زعفران، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مهيم؟". فقال: يا رسول الله تزوجت امرأة. فقال: "ما أصدقتها؟". قال: وزن نواة من ذهب. المهر في الاسلام. فقال: "بارك الله لك، أولم ولو بشاة". وجاء في الصحيحين من حديث أنس أيضاً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعتق صفية وجعل عتقها صداقها. وقد انعقد الإجماع على مشروعية المهر في النكاح، ونقل الإجماع ابن قدامة المقدسي في كتابه: المغني. المحور الثاني: حكمه المهر واجب شرعاً في كل عقد نكاح على الزوج لزوجته بمجرد عقد النكاح الصحيح، إلا أن ذكر المهر في العقد ليس شرطاً لصحة العقد، لقوله تعالى: ﴿ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾ [البقرة: 236]، فقد رفع الله الجناح عن طلاق في نكاح لم يسم فيه المهر، والطلاق لا يكون إلا في نكاح تم بعقد صحيح، فدل ذلك على جواز عقد النكاح وصحته بدون تسمية المهر فيه. إلا أنه إذا سمي المهر كان هو الواجب على الزوج بهذا العقد، وإذا لم يسم المهر كان الواجب مهر المثل، والدليل أن للمرأة مهر المثل إذا لم يسم صداقها في العقد أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه سئل عن امرأة مات عنها زوجها، ولم يكن قد سمى لها مهراً في عقد النكاح فقال: لم أسمع في هذا شيئاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن أجتهد برأيي، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان، أرى أن لها مهر نسائها لا وكس ولا شطط.
فإذا لم يكن ثمة عرف يقضي بتعجيل المهر أو تأجيله فإن المهر يكون معجلاً؛ لأن الأصل أنه يجب بتمام العقد باعتباره حكماً من أحكامه وأحكام العقد لا تتراخى أي لا تتأخر عنه، فكان الواجب تعجيله بمجرد تمام العقد، وأما إذا تم الاتفاق بين الزوجين على كيفية أدائه ودفعه فالعبرة بما اتفقا عليه ويلتزم به، وإن خالف مقتضى العرف. وفي حالة كون المهر معجلاً ولم تقبضه المرأة فلها الامتناع عن استمتاع الرجل بها حتى تقبض مهرها كاملاً؛ ووجه جواز ذلك أن امتناعها مبني على حق شرعي مكفول لها، إلا إذا وافقت على دخوله بها دون قبض المهر في حالة كونه معجلاً فهذا راجع لاختيارها باعتبار كونها ذات ذمة كاملة. المحور الخامس: أنواع المهر: المهر نوعان، مهر مسمى، ومهر المثل: أولاً: المهر المسمى: هو ما اتفق عليه في العقد أو بعده بالتراضي، أو فرضه الحاكم، لقوله تعالى: ﴿ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾ [البقرة: 237]، وصرح الحنفية والمالكية أن ما يهديه الزوج لزوجته قبل الزفاف أو بعده، أو قبل العقد أو أثناءه، كثياب الزفاف أو هدية الدخول، يكون ملحقاً بالمهر المسمى وبالعقد، فإن طلقت قبل الدخول فلها النصف فقط، وإن طلقت بعد الدخول كان لها المهر كاملاً.
ولا مانع من صحة النكاح، فإذا لم تعارض المرأة، لم تحرم على الزوج غير محرم، وليست في العدة، وليس لها معارضة الزواج وهي راضية وزوجها هو الولي وقبلت الزوج وقبلته بحضور شاهدين ويصح النكاح ولو لم يسمَّى مهرًا، لكن يجب أن يكون لها مهر مماثل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حكم في حديث مقال بن سنان العشجي أن الرجل تزوج امرأة ولم يسمها ومات عنها مهر قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لها مهر نسائها، لا وكس ولا شطط، وعليها العدة ولها الميراث ". [3] هل يجوز للمراة التنازل عن المهر إذا عفت الزوجة عن مهرها أو بعضه عن زوجها جاز لها إذا كانت راشدة عاقلة؛ لأنها أهلية التصرف في مالها – مبكراً أو ضعيفاً – عند جمهور الفقهاء، وأما بالنسبة لتنازل المرأة عن مهرها قبل ثبوته في ذمة الزوج: فهذا غير صحيح ويعتبر باطلاً لأنها لا تملك صلاحية إسقاطه إلا بعد ثبوته، ولا يثبت الصداق إلا بعد العقد. [4] ما هو حكم تخفيف المهر لم يحدد الإسلام مقدار الصداق المطلوب وقت الزواج، بل تركه مفتوحا وفقا لاتفاق الطرفين إلا أن الإسلام كره المبالغة في المهر ويضع بعض الآباء مهرًا باهظًا وكبيرًا لبناته ويصعب عليهن الزواج ، حيث زوج الرسول بناته بأقل مهور وحث أولياء الأمور على تقليص مهور بناتهم عند الزواج، وذلك لتسهيل زواجهم وإزالة العوائق التي تواجه الشباب في حال رغبتهم في الزواج زوجته أو أهلها في حالة معاناته يجمعون مهرها الثمين الكبير ويدفعونه لها حتى تقبل الزواج منه.
( 1) عبد الحكيم عطية, صفات الزوجة الصالحة, (المدينة المنورة\1425هـ), ص48-49. ( 2) ابن كثير, تفسير القران الكريم, (القاهرة\1423هـ-2002م), 1\146.