وقوله: ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) قيل: معناه: ولا تسرفوا في الإعطاء ، فتعطوا فوق المعروف. وقال أبو العالية: كانوا يعطون يوم الحصاد شيئا ، ثم تباروا فيه وأسرفوا ، فأنزل الله: ( ولا تسرفوا). وقال ابن جريج نزلت في ثابت بن قيس بن شماس ، جذ نخلا. فقال: لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته. فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة ، فأنزل الله: ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) رواه ابن جرير ، عنه. وقال ابن جريج ، عن عطاء: ينهى عن السرف في كل شيء. وقال إياس بن معاوية: ما جاوزت به أمر الله فهو سرف. وقال السدي في قوله: ( ولا تسرفوا) قال: لا تعطوا أموالكم ، فتقعدوا فقراء. وقال سعيد بن المسيب ومحمد بن كعب ، في قوله: ( ولا تسرفوا) قال: لا تمنعوا الصدقة فتعصوا. ان الله لا يحب المسرفين. ثم اختار ابن جرير قول عطاء: إنه نهي عن الإسراف في كل شيء. ولا شك أنه صحيح ، لكن الظاهر - والله أعلم - من سياق الآية حيث قال تعالى: ( كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) أن يكون عائدا على الأكل ، أي: ولا تسرفوا في الأكل لما فيه من مضرة العقل والبدن ، كما قال تعالى: ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) [ الأعراف: 31] ، وفي صحيح البخاري تعليقا: " كلوا واشربوا ، والبسوا وتصدقوا ، في غير إسراف ولا مخيلة " وهذا من هذا ، والله أعلم.
رواه ابن مردويه. وروى عبد الله بن المبارك وغيره. عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء بن أبي رباح في قوله: ( وآتوا حقه يوم حصاده) قال: يعطي من حضره يومئذ ما تيسر ، وليس بالزكاة. وقال مجاهد: إذا حضرك المساكين ، طرحت لهم منه. وقال عبد الرزاق ، عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وآتوا حقه يوم حصاده) قال: عند الزرع يعطي القبض ، وعند الصرام يعطي القبض ، ويتركهم فيتبعون آثار الصرام. وقال الثوري ، عن حماد ، عن إبراهيم النخعي قال: يعطي مثل الضغث. وقال ابن المبارك ، عن شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ( وآتوا حقه يوم حصاده) قال: كان هذا قبل الزكاة: للمساكين ، القبضة الضغث لعلف دابته. وفي حديث ابن لهيعة ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن سعيد مرفوعا: ( وآتوا حقه يوم حصاده) قال: ما سقط من السنبل. وقال آخرون: هذا كله شيء كان واجبا ، ثم نسخه الله بالعشر ونصف العشر. حكاه ابن جرير عن ابن عباس ، ومحمد ابن الحنفية ، وإبراهيم النخعي ، والحسن ، والسدي ، وعطية العوفي. واختاره ابن جرير ، رحمه الله. قلت: وفي تسمية هذا نسخا نظر; لأنه قد كان شيئا واجبا في الأصل ، ثم إنه فصل بيانه وبين مقدار المخرج وكميته. قالوا: وكان هذا في السنة الثانية من الهجرة ، فالله أعلم.