– وإن عدنا إلى الآية الكريمة، نجد السياق مستمر، وأنه دليل على أن الوسوسة مرتبطة بحبل الوريد، حيث أنه يوجد ارتباط بشكل مباشر بين ما يتحدث الانسان مع نفسه بشكل خفي وبين ما هو ممكن أن يتم تحويله من الخواطر والأفكار إلى الأفعال الارادية الحركية، وتلك الأفعال على علاقة بشكل مباشر وغير مباشر بجذع الدماغ، حيث تمر خلاله الايعازات إلى باقي أجزاء الجسم. – وبالتالي؛ فإن الله عز وجل قام بالإعلان عن علمه بالوسوسة وقت حدوثها وحتى قبل أن تتحول أو تصل إلى جذع الدماغ، حيث أنه من الممكن أن تتحول من النية إلى الفعل في البداية أو بالتعاون مع عدد من باقي أجزاء الدماغ، حيث أن الله سبحانه وتعالى أقرب إلى الشخص من تلك المرحلة، ومن هنا جاء الربط في تلك الآية بين الوسوسة وحبل الوريد.
المقصود من حبل الوريد – وإن كان المقصود من حبل الوريد ذلك العرق المسؤول عن نقل الدم إلى الدماغ، فهناك عرقا آخر يعد بنفس أهمية العرق الأول ويقوم بنقل الدم إلى أماكن مهمة للغاية في الدماغ، مع العلم أن الآية قامت بالإشارة إلى حبل الوريد على أساس كونه عضو منفرد وغير مزدوج، وتلك الحقيقة لا تتوافق مع التفسير المتعارف عليه حتى الآن. – وقد تجلت في الآية الكريمة ثلاثة صفات عظيمة للمولى سبحانه وتعالى، والتي تدل على مدى قدرته في تعريف ارادته، وذلك بدءا من خلق الانسان، رمورا بعمله بأمر الوسوسة الحادثة في النفس، وأنه جل وعلى أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، وذلك إن دل على شيء، فإنما يدل على كماله وسعة علمه، وإلمامه بحالة الانسان وكل ما يدور في نفسه ويجول في باله، وبما أن الله سبحانه وتعالى في الوسط بين حبل الوريد وبين الوسوسة، فذلك دليل على وجود علاقة وثيقة بينهما. معنى الوسوسة و علاقتها بالوعي – إن الوسوسة في الأصل هي تلك الصوت أو الحركة الخفية الذي لا يمكن الاحساس به، أو هو ذلك الكلام الخفي الذي يدور في النفس، والذي له علاقة مباشرة بالذهن، حيث أن الذهن هو المظهر الباطني أو الذاتي للدماغ، والمسؤول عن الوظائف الاسترجاعية، وقد ثبت مؤخرا أن ذلك الجهاز هو أحد مظاهر الوعي المركزية، وبناء على ذلك يتضح أن حبل الوريد هو أحد أهم أجزاء الدماغ.
ويتحدَّث الصوفيون عن صوم العينين والأُذنين واللسان واليدين: فهم يغضُّون بصرهم ويكفُّون آذانهم وسائر جوارحهم عن كلِّ الآثام وما يُلْهِيهم عن ذكر الله، ويحفظون أَلسنتهم عن النميمة والفُحْش والجفاء والخصومات، ويستخدمون أيديهم لخدمة إخوتهم البشر. زيادة إدراك العبد لله والهدف من الامتناع طيلة شهر عن الطعام والشراب ليس إذلال الجسد، بل زيادة إدراك العبد لله من خلال توجيه انتباهه من الخارج إلى الداخل. كلمة "رمضان" مشتقة من الجذر العربي "رَمَضَ"، الذي يصف شدة حرارة الشمس الساطعة. وبحسب التفسير الاشتقاقي فإنَّ "حرارة" رمضان تجعل الفرد "غير الناضج" يغلي من الداخل - وهو فعل يحب جلال الدين الرومي استخدامه لعملية تطوُّر الإنسان روحيًا. وبالإضافة إلى تنمية الصبر والاكتفاء والتعاطف مع مَنْ يعانون الجوع، فإنَّ رمضان يعتبر دعوة إلى تخلي الصائم عن أناه. تُقارن الأنا أحيانًا في التصوُّف الإسلامي بحيوان نَهِم لا يشبع. جمال القرآن.. "فإذا الذى استنصره بالأمس يستصرخه" بلاغة وصف واقعة صاحب موسى - اليوم السابع. فالامتناع عن الغذاء الجسدي يحرم "النفس الأمَّارة" من بعض وقودها ويوقف مكرها وخداعها. وهذه النفس تعتبر في علم النفس الصوفي صنمًا نضعه كلَّ يوم بجانب الله. وبصفتنا عابدين للأوثان في براثن طواغيتنا الكامنة داخلنا، فنحن نعيش في حالة انفصال عن الله، مع أنَّ الله في الواقع أقرب إلينا من "حبل الوريد"، مثلما يؤكِّد القرآن.
و (و هو معكم اينما كنتم).. و كذلك حديث القرب.. و هكذا كان الحافز الاساسي لهم على التفاني طول الخط؛ العبادة و الزهد. في الحلقة القادمة سنُبين الحقيقة الثانية (وحدة الوجود) ان شاء الله. نشر بواسطة المحرر
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) ١ - ما المقصود من الوسواس ؟ ٢- ما المقصود من القرب ؟ ٣ - ما المقصود من حبل الوريد ؟. الجواب الأول. الوسوسة هي الأفكار غير المطلوبة التي تخطر بقلب الإنسان وقد عبر عنها العلامة الطباطبائي. الأخطار الرديئة التي تخطر على النفس. وهي صوت الهمس الخفي. الجواب الثاني. ليس المراد من القرب هو القرب المكاني أو الزماني. لأن الله خالق الزمان والمكان وهو محيط بالزمان والمكان. بل المراد منه العلم والإحاطة اي أنه عالم حتى بتلك الوساوس النفسانية. الجواب الثالث. الوريد. فُسِّر بالعِرق الذي يُضَخّ خلاله الدم من القلب إلى أجزاء الجسم المختلفة وسُمِّي العرق حبلا لأنه يشبه الحبل في أمتداده واستدارته. وللمفسرين آراء عديدة في معنى الوريد. فمنهم من يعتقد بأن الوريد جميع الأعصاب في بدن الإنسان وبعضهم يعتقد بأنه عصب الرقبة فحسب أما الاصطلاح المتداول في هذا العصر في شأن الوريد والشريان. فإنها تعني المجاري التي توصل الدم من سائر أعضاء الجسم إلى القلب وبالعكس.