( وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) [لقمان: 18] لا تفرح بالنعم وتنسى المنعم, فالله لا يحب المختال في نفسه الفخور بما عنده, وفي مقول المصطفى عليه السلام " من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ". معشر الكرام: والمرء لا بد له في حياته مِن مشي, مشيٍ بأقدامه أو بسيارته, ومن كمال أمر الدين وروعة وصايا الحكيم أن جاءت الوصية في المشي أن يكون قصدًا, لا سرعة ولا دبيبًا ( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) والعجلة في المشي والسرعة في السير ليست من شيم الكُمَّل من المؤمنين, الذين قال المولى في صفاتهم ( يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) بالسكينة والوقار, فلا إفراطًا في الاستعجال, ولا تفريطًا في التؤدة والبطء, وذاك أسلم لأبدانهم وأبقى لمروءتهم وقُواهم, وفي المراكب هو أحفظ لحياتهم وأموالهم. واختتم الرحمن حكاية وصايا لقمان فقال في القرآن ( وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان: 19]، والعرب كانت تفاخر بجهارة الصوت, فأكد الله أن العزة ليست بالصوت, ولو كان كذلك كان الحمار أعز شيء, ولو أن المرء يُهاب بصوته لكان الحمار يُهاب, فاغضض من صوتك, واجعله بين الجهر المؤذي والإسرار الذي لا يسمع, ويُذم الصوت الرفيع في أماكن العبادة, ويتأكد ذلك في المساجد ولا سيما مسجدِ المدينة.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: «ووجه كون الشرك ظلمًا عظيمًا أنه لا أفظع وأبشع مَن سوَّى المخلوق من تراب بمالك الرقاب، وسوَّى الذي لا يملك من الأمر شيئًا بمالك الأمر كله، وسوَّى الناقص الفقير من جميع الوجوه بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه، وسوَّى من لم ينعم بمثقال ذرة من النعم بالذي ما بالخلق من نعمة في دينهم ودنياهم وأُخراهم وقلوبهم وأبدانهم إلا منه، ولا يصرف السوء إلا هو، فهل أعظم من هذا الظلم شيء؟ وهل أعظم ظلمًا ممن خلقه الله لعبادته وتوحيده، فذهب بنفسه التي خلقها الله في أحسن تقويم، فجعلها في أخس المراتب، جعلها عابدة لمن لا يُسوي شيئًا، فظلم نفسه ظلمًا كثيرًا» [3]. ولقد أبدى الله وأعاد كثيرًا في كتابه الكريم في النهي عن الشرك لعواقبه الوخيمة في الدنيا والآخرة، فأما في الدنيا فإن صاحبه يحرم الأمن والهداية، وأما في الآخرة فشقاء الأبد وخلود في نار جهنم لا يموت فيها ولا يحيا، وأما من وحد الله فعيشه أنعم العيش وحياته أطيب الحياة، وفي الآخرة ينعم برضا الله ونعيم باق، وخلود دائم في جنة عرضها السماوات والأرض أُعدت للمتقين.
يا بني احذر الكذب فإنه شهي كلحم العصفور من أكل منه شيئا لم يصبر عنه. يا بني تواضع للحق تكن أعقل الناس, يا بني لا تأكل شيئًا على شبع فإنك إن تتركه للكلب خير لك من أن تأكله. يا بني ضرب الوالد لولده كالسماد للزرع. يا بني إن الناس قد تطاول عليهم ما يوعدون، وهم إلى الآخرة سراعًا يذهبون، وإنك قد استدبرت الدني منذ كنت، واستقبلت الآخرة، وإن دارًا تصير إليها أقرب إليك من دار تخرج عنها، يا بني ليس غنى كصحة ولا نعيمٌ كطيب نفس. من وصايا لقمان الحكيم. وروى الإمام مالك أن لقمان كان يقول لابنه: اتق الله جهد نفسك. وبعد معاشر الكرام فمن أراد حسن السيرة وصفاء السريرة وكنوز الحكمة فعليه بالقرآن فإنها عظات الله تُتلى, وخطاب الملك يحكى, ولن تزيغ الأمة ما تمسكت به, وجعلته لحياتها دستورًا, ولطريقها هاديًا.
[3] تفسير الشيخ السعدي رحمه الله (ص865- 866) بتصرف.