وفي قراءة ابن مسعود ( وأنزل الملائكة تنزيلا) لأن معنى نزل وأنزل واحد. وقال المفضل: معناه وأنبتها فنبتت نباتا حسنا. ومراعاة المعنى أولى كما ذكرنا. والأصل في القبول الضم; لأنه مصدر مثل الدخول والخروج ، والفتح جاء في حروف قليلة; مثل الولوع والوزوع; هذه الثلاثة لا غير; قال أبو عمر والكسائي والأئمة. وأجاز الزجاج ( بقبول) بضم القاف على الأصل. [ ص: 66] قوله تعالى: وكفلها زكريا أي ضمها إليه. أبو عبيدة: ضمن القيام بها. إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة آل عمران - قوله تعالى فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا - الجزء رقم1. وقرأ الكوفيون وكفلها بالتشديد ، فهو يتعدى إلى مفعولين; والتقدير وكفلها ربها زكريا ، أي ألزمه كفالتها وقدر ذلك عليه ويسره له. وفي مصحف أبي ( وأكفلها) والهمزة كالتشديد في التعدي; وأيضا فإن قبله فتقبلها ، و أنبتها فأخبر تعالى عن نفسه بما فعل بها; فجاء كفلها بالتشديد على ذلك. وخففه الباقون على إسناد الفعل إلى زكريا. فأخبر الله تعالى أنه هو الذي تولى كفالتها والقيام بها; بدلالة قوله: أيهم يكفل مريم. قال مكي: وهو الاختيار; لأن التشديد يرجع إلى التخفيف ، لأن الله تعالى إذا كفلها زكريا كفلها بأمر الله ، ولأن زكريا إذا كفلها فعن مشيئة الله وقدرته; فعلى ذلك فالقراءتان متداخلتان. وروى عمرو بن موسى عن عبد الله بن كثير وأبي عبد الله المزني " وكفلها " بكسر الفاء.
وخرج ابن ماجه عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ومن كان ذا طول فلينكح ومن لم يجد فعليه بالصوم فإنه له وجاء. وفي هذا رد على بعض جهال المتصوفة حيث قال: الذي يطلب الولد أحمق ، وما عرف أنه هو الغبي الأخرق; قال الله تعالى مخبرا عن إبراهيم الخليل: واجعل لي لسان صدق في الآخرين وقال: والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين. وقد ترجم البخاري على هذا ( باب طلب الولد). وقال - صلى الله عليه وسلم - لأبي طلحة حين مات ابنه: ( أعرستم الليلة) ؟ قال: نعم. قال: ( بارك الله لكما في غابر ليلتكما). قال فحملت. في البخاري: قال سفيان فقال رجل من الأنصار: فرأيت [ ص: 69] تسعة أولاد كلهم قد قرءوا القرآن. فتقبلها ربها بقبول حسن. وترجم أيضا " باب الدعاء بكثرة الولد مع البركة " وساق حديث أنس بن مالك قال: قالت أم سليم: يا رسول الله ، خادمك أنس ادع الله له. فقال: اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته. وقال - صلى الله عليه وسلم -: اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين. خرجه البخاري ومسلم. وقال - صلى الله عليه وسلم -: تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم.
وزكرياء كاهن إسرائيلي اسمه زكرياء من بني أَبِيَّا بن باكر بن بنيامين من كَهَنة اليهود ، جاءته النبوءة في كبره وهو ثاني من اسمه زكرياء من أنبياء بني إسرائيل وكان متزوجاً امرأةً من ذرية هارون اسمها ( اليصابات) وكانت امرأته نسيبَة مريم كما في إنجيل لوقا قيل: كانت أختها والصحيح أنّها كانت خالتها ، أو من قرابة أمها ، ولما ولدت مريم كان أبوها قد مات فتنازع كفالتها جماعة من أحْبار بني إسرائيل حرصاً. اعراب فتقبلها ربها بقبول حسن. على كفالة بنت حبرهم الكبير ، واقترعوا على ذلك كما يأتي ، فطارت القرعة لزكرياء ، والظاهر أنّ جعل كفالتها للأحبار لأنّها محررة لخدمة المسجد فيلزم أن تربّى تربيَةً صالحة لذلك. وقرأ الجمهور: { وكَفَلها زكرياءُ} بتخفيف الفاء من كفَلها أي تولَّى كفالتها ، وقرأ حمزة ، وعاصم ، والكسائي ، وخلف: وكَفّلها بتشديد الفاء أي أنّ الله جعل زكرياء كافلاً لها ، وقرأ الجمهور زكرياء بهمزة في آخره ، ممدوداً وبرفع الهمزة. وقرأه حمزة ، والكسائي وحفص عن عاصم ، وخلفٌ: بالقصر ، وقرأه أبو بكر عن عاصم: بالهمز في آخره ونصب الهمزة. { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المحراب وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يامريم أنى لَكِ هذا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ الله إنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
قال ابن عطاء: ما كانت ثمرته مثل عيسى، فذاك أحسن النبات. ونباتا: مصدر على خلاف الصدر، أو التقدير: فنبتت نباتا. وكفلها قبلها، أو ضمن القيام بأمرها. (وكفلها) كوفي، أي: كفلها الله زكريا، يعني: جعله كافلا لها، وضامنا لمصالحها. (زكريا) بالقصر كوفي، غير أبي بكر، في كل القرآن. وقرأ أبو بكر بالمد والنصب هنا. غيرهم بالمد والرفع كالثانية والثالثة. ومعناه في العبري: دائم الذكر والتسبيح. كلما دخل عليها زكريا المحراب قيل: بنى لها زكريا محرابا فى المسجد، أي: غرفة تصعد إليها بسلم. وقيل: المحراب أشرف المجالس ومقدمها. كأنها وضعت في أشرف موضع من بيت المقدس. القرآن الكريم - تفسير البغوي - تفسير سورة آل عمران - الآية 37. وقيل: كانت مساجدهم تسمى المحاريب. وكان لا يدخل عليها إلا هو وحده وجد عندها رزقا كان رزقها ينزل عليها من الجنة. ولم ترضع ثديا قط، فكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف فى الشتاء. قال يا مريم أنى لك هذا من أين لك هذا الرزق الذي لا يشبه أرزاق الدنيا، وهو آت في غير حينه؟! قالت هو من عند الله فلا تستبعد. قيل: تكلمت وهي صغيرة، كما تكلم عيسى وهو في المهد. إن الله يرزق من يشاء من جملة كلام مريم، أو من كلام رب العالمين. بغير حساب بغير تقدير لكثرته، أو تفضلا بغير محاسبة، ومجازاة على عمل.
كتاب: الجدول في إعراب القرآن. إعراب الآية رقم (37): {فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (37)}.