فإذا كان الإسرائيليون قد أدخلوا على التفسير ما ليس بمعقول ولا مقبول ، فالباطنيون قد أدخلوا بتأويلاتهم وبواطنهم ما ليس من التفسير في شيء ، والله حافظ كتابه من الفريقين ، وهو بنوره الساطع يلفظ الخبث كما يلفظ الفلز في كير النار خبثه [ ص: 32] والغزالي أجاز التفسير بالرأي ، وفتح الباب ، ولكن قبل أن نقدم إسناده من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة نحرر رأيه ، فهو: أولا: لا يهمل السنة ولا آثار الصحابة وأقوالهم ، ويقرر أن ما أثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة بسند صحيح لا تصح مخالفته ، ويجب الأخذ به. ثانيا: لا يفتح الباب على مصراعيه لكل من يرى رأيا فيفسر القرآن برأيه ، بل يجب أن يكون عنده علم اللغة ، وعلم القرآن ، وعلم السنة ، لكيلا يقول على الله تعالى بغير علم. وإن الفهم في كتاب الله تعالى باب متسع لكل من عنده أداة الفهم لعلم القرآن ، ويستدل على ذلك بنصوص من القرآن والسنة وأقوال الصحابة: (أ) إن القرآن الكريم فيه كل علوم الدين بعضها بطريق العبارة ، وبعضها بطريق الإشارة ، وبعضها بالإجمال ، وبعضها بالتفصيل ، وإن ذلك يحتاج إلى التعمق في الفهم ، والاستبصار في حقائقه. من هو الذي دعا له النبي عليه السلام قائلاً : اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل ؟ - أفضل اجابة. وذلك لا يكفي فيه الوقوف عند ظواهر التفسير التي تجيء على ألسنة بعض السلف ، بل لا بد من التعمق ، واستخراج المعاني ما دامت لا تخالف صريح المأثور ، ولكنها أمور تسير وراءه ، وعلى ضوئه وعلى مقتضى هديه; ولذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " من أراد علم الأولين والآخرين ، فليتدبر القرآن " وإن ذلك لا يكون بغير التعمق في الفهم والتعرف بالإشارة للمرائي البعيدة والقريبة من غير اقتصار على ظاهر النصوص.
ولا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل لقوله - تعالى -: ولا تقف ما ليس لك به علم (الإسراء: 36) وقوله: وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون (البقرة: 169) وقوله: لتبين للناس ما نزل إليهم (النحل: 44) فأضاف البيان إليهم. وعليه حملوا قوله - صلى الله عليه وسلم -: من قال في القرآن بغير علم، فليتبوأ مقعده من النار، رواه البيهقي من طرق، من حديث ابن عباس. دعاء النبي لابن عباس - عبد الحي يوسف - طريق الإسلام. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي ، وقال: غريب، من حديث ابن جندب. وقال البيهقي في شعب الإيمان: هذا إن صح، فإنما أراد - والله أعلم - الرأي الذي يغلب من غير دليل قام عليه، فمثل هذا الذي لا يجوز الحكم به في النوازل، وكذلك لا يجوز تفسير القرآن به. وأما الرأي الذي يسنده برهان فالحكم به في النوازل جائز، وهذا معنى قول الصديق: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي. وقال في "المدخل": في هذا الحديث نظر، وإن صح فإنما أراد - والله أعلم -: فقد أخطأ الطريق، فسبيله أن يرجع في تفسير ألفاظه إلى أهل اللغة، وفي معرفة ناسخه ومنسوخه ، وسبب نزوله ، وما يحتاج فيه إلى بيانه إلى أخبار الصحابة ؛ الذين شاهدوا تنزيله، وأدوا إلينا من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يكون تبيانا لكتاب الله قال الله - تعالى -: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون (النحل: 44).
علي عيد تابعوا البيان الرياضي عبر غوغل نيوز
فالشأن أن تكون من آيات الصفات أو أحاديث الصفات، أما النصوص الأخرى التي قد تدل على الصفة، لكن ليست نصًّا فيها، فخلاف علماء أهل السنة فيها لا يجعل قول من لم يثبت بها صفة دليلًا على تأويل الصفات؛ لأن النص نفسه ليس صريحًا في ذلك.