وقد بدأ هذا القصص بعد مقدمة السورة، والحديث فيها خاص برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومشركي قريش: لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين. إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين. وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين. فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون ثم سيق القصص، وكله نماذج للقوم يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون! فلما انتهى القصص عاد السياق إلى موضوع السورة الذي تضمنته المقدمة; فجاء هذا التعقيب الأخير، يتحدث عن القرآن، فيؤكد أنه تنزيل رب العالمين - ومنه هذا القصص الذي مضت به القرون، فإذا القرآن ينزل به من رب العالمين - ويشير إلى أن علماء بني إسرائيل يعرفون خبر هذا الرسول وما معه من القرآن، لأنه مذكور في كتب الأولين؛ إنما المشركون يعاندون الدلائل الظاهرة; ويزعمون أنه سحر أو شعر، ولو أن أعجميا لا يتكلم العربية نزل عليه هذا القرآن فتلاه عليهم بلغتهم ما كانوا به مؤمنين؛ لأن العناد هو الذي يقعد بهم عن الإيمان لا ضعف الدليل! تفسير: (نزل به الروح الأمين). وما تنزلت الشياطين بهذا القرآن على محمد - صلى الله عليه وسلم - كما تتنزل بالأخبار على الكهان؛ وما هو كذلك بشعر، فإن له منهجا ثابتا والشعراء يهيمون في كل واد وفق الانفعالات والأهواء؛ إنما هو القرآن المنزل من عند الله تذكيرا للمشركين، قبل أن يأخذهم الله بالعذاب، وقبل أن يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.. وإنه لتنزيل رب العالمين.
* وفيه أيضًا دليل على أنه لو جاء هذا الكتاب لوجب على جميع من يعتنقون الكتب السابقة أن يؤمنوا به.
وكُلُّهم قَرَأ: "يَكُنْ" بِالياءِ "آيَةً" نَصْبًا، غَيْرُ ابْنِ عامِرٍ فَإنَّهُ قَرَأ: "تَكُنْ" بِالتاءِ مِن فَوْقٍ: "آيَةٌ" رَفْعًا، وهي قِراءَةُ عاصِمٍ الجَحْدَرِيِّ، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "أنْ يَعْلَمَهُ" بِالياءِ مِن تَحْتٍ، وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ: "أنْ تَعْلَمَهُ" بِالتاءِ مِن فَوْقٍ.
فقال عليه السلام: وما عليك أن تعمل في ليلتين هي إحداهما"24. ج- 23 ورد عن الإمام الباقرعليه السلام: أنّ الجهني أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "يا رسول الله، إنّ لي إبلاً وغنماً وغلمة وعملة، فأحبّ أن تأمرني ليلة أدخل فيها فأشهد الصلاة - وذلك في شهر رمضان - فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسارَّه في أذنه، فكان الجهني إذا كان ليلة ثلاث وعشرين دخل بإبله وغنمه وأهله إلى مكانه"25. قال السيد العابد ابن طاووس في الإقبال: "اعلم أنّ هذه الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان، وردت أخبار صريحة بأنّها ليلة القدر على الكشف والبيان. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الشعراء - الآية 193. فمن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى سفيان بن السمط، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أفرد لي ليلة القدر، قال عليه السلام: ليلة ثلاث وعشرين"26. "اللهمَّ صلَّ على محمّد وآل محمّد، ووفِّقني فيه لليلة القدر على أفضل حال تحب أن يكون عليها أحد من أوليائك وأرضاها لك، ثم اجعلها لي خيراً من ألف شهر، وارزقني فيها أفضل ما رزقت أحداً ممن بلغته إياها وأكرمته بها، واجعلني فيها من عتقائك من النار وسعداء خلقك، الذين أغنيتهم وأوسعت عليهم من الرزق، وصنتهم من بين خلقك ولم تبتلهم، وممن مننت عليهم، برحمتك ومغفرتك ورأفتك وتحننك وإجابتك ورضاك، ومحبتك وعفوك، وطولك وقدرتك لا إله إلا أنت، برحمتك يا ارحم الراحمين"27.