راشد الفجري { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)} -سورة فصلت أبدأ مقالي بهذه الآية الكريمة، فهناك فرق عظيم بين السيئة والحسنة وادفع بالتي هي احسن، أي أن لا نعامل من أساء فينا بالمثل، وإنما نعامله بالمعاملة الحسنة وبالخلق العظيم، وأن لا نقابل الإساءة بالإساءة، بل نقابله بالعفو والاعراض عمن أساء فينا بالأخلاق التي تربينا عليها وأن ندفع بالتي هي أحسن، وأن نكون سمحين متسامحين حتى في أصعب وأسوء الأمور، وكلما تسامحت وتغاضيت ستكسب قلوب الناس بالحب والاحترام. ولكم في رسول الله أسوة حسنة، فحين عفا رسولنا الكريم عن المرأة اليهودية عندما أهدته شاة مسمومة، فأكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف أنها مسمومة، فقال لأصحابه أمسكوا فإنها مسمومة، وجيء بالمرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لها ما حملك على ما صنعتي ، قالت: إذا كان نبي سيطلعك الله عليها ولن تضرك، وإن لم تكن نبيا تسممت ومت واسترحنا منك، فقالوا أصحابه أنقتلها؟ قال النبي لا.. وعفا عنها. المــنــبـــر: ادفع بالتي هي أحسن. هذه أخلاق الرسول وعلينا أن نتخلق بأخلاقه بحسن التعامل والأسلوب الجيد والطيب مع الناس، وقد حثنا ديننا بهذا الجانب لاسيما أنه من أهم مقومات الدعوة إلى الله التي يلزم فيها الحكمة فإن قول الله تعالى: { ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)}-سورة النحل.
فيرشدُنا ربُّنا - تبارك وتعالى - إلى الدَّفْع بالتي هي أحسن، وعدم الردِّ بالمثْل وإنْ كان جائزًا، فمَن يلقاك بعبوسٍ تَلقاه بطلاقة وجْهٍ وابتسامة، ومَن يُعْرِض عنك ويولِيك ظَهْرَه تستقبله، مَن لا يسلِّم عليك ولا يُحَيِّيك تُحيِّيه بالسلام وبغيره من التحايا، مَن يقطعك ولا يَصِلك تَصِله وتُواسيه في النائبات، مَن يُسْمِعك كلامًا جارحًا تُسْمعه كلامًا ليِّنًا طيِّبًا، مَن يحاوِل استفزازَك بالكلام، تتغافَل عنه وكأنَّك لم تسمعْ كلامَه.
فالبعض لا تنفَع معه المصانعة في أوَّل الأمر، فلا يرعَوِي بعد مدَّة قصيرة، بل يحتاج إلى مُدَّة طويلة قد تستمرُّ عِدَّة أشهرٍ أو سنين؛ حتى يشعرَ المعادِي بغير حَقٍّ بالتأثُّم، ويستشعرَ الخطأ، ويتغلَّب على نفْسه وشيطانه، وقد أشار ربُّنا إلى ذلك بقوله: ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا ﴾ [فصلت: 35]، فلا بدَّ من الصبر، فلنُوطِّنْ أنفسَنا على ذلك. ادفع بالتي هي احسن السيئة. والسبب الثاني أشار إليه ربُّنا بقوله: ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 35]. فحينما تُحْسِن إلى مَن يُسِيء إليك مرَّات، يأتيك الشيطان يُوسْوس لكَ بأنَّه قد يظنُّ أنَّك خائفٌ منه، أو محتاج إليه، أو غير ذلك من الوساوس، فلا يزال بك حتى تعامِلَه بالمثْل، فهنا تحتاج النفسُ إلى تذكيرٍ بأنَّ هذا ليس ضَعفًا، وليس جُبْنًا، إنَّما هو علامة على أنَّك محظوظٌ، فأنتَ خيرٌ منه، نِلْتَ الذِّكْر الْحَسن وراحة البال في الدنيا، والثواب في الآخرة، فأنتَ محظوظٌ وليس هذا الحظُّ يسيرًا، بل هو حظٌّ عظيم. فمَن يقابِل السيِّئة بالحسنة كثيرٌ، لكن مَن يَثبتُ منهم على هذا الأمر ويستمرُّ عليه قليلٌ. الخطبة الثانية • مما يُعين على مقابلة السيئة بالحسنة تذكُّر أنَّ الداعي إلى مقابلة السيئة بالسيئة هو الشيطان؛ ليُفْسد المحبَّة بين المسلمين، ويُوقِع بينهم العداوة؛ فعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعتُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إنَّ الشيطان قد أَيسَ أنْ يعبُدَه المصلُّون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم))؛ رواه مسلم، (2812)، فلا تعملْ بما يُمْليه عَدوُّك.
قالَ ابنُ القيمِ -رحمَه اللهُ-: " جئتُ يوماً إلى شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ مُبَشِّرًا له بِمَوتِ أكبرِ أعدائه، وأشدِّهم عداوةً وأذىً له، فَنَهَرني وتَنَكَّرَ لي واسترجع، ثم قامَ مِن فَورِه إلى بيتِ أهلِه فَعَزَّاهُم، وقالَ: إني لكم مكانَه، ولا يكونُ لكم أمْرٌ تحتاجونَ فيه إلى مساعدةٍ إلاَّ وسَاعَدتُكم فيه، ونحو هذا مِن الكلامِ، فَسُرُّوا به، ودَعوا له، وعَظّموا هذه الحالَ منه، -فَرَحِمَه اللهُ ورضيَ عنه- ". أقولُ قولي وأستغفرُ اللهَ لي ولكم. الخطبة الثانية: إنَّ الحمدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
عربي Español Deutsch Français English Indonesia الرئيسية موسوعات مقالات الفتوى الاستشارات الصوتيات المكتبة جاليري مواريث بنين وبنات القرآن الكريم علماء ودعاة القراءات العشر الشجرة العلمية البث المباشر شارك بملفاتك Update Required To play the media you will need to either update your browser to a recent version or update your Flash plugin.