[٤] ولا أشكو إلى أحد منكم ومن غيركم، وإنما أشكو همي الشديد وأسفي وما أنا فيه إلى الله وحده داعياً له وملتجئاً إليه، فخلوني لأمري وشكايتي وحزني، فإني أعلم من الله ما لا تعلمون، أي أرجو منه كل خير ولن يضيعني؛ لأنّي أعلم من صنعه وإحسانه، ورحمته وحسن ظني به أنه سيأتيني بالفرج من حيث لا أحتسب، فهو -عليه السلام- يعلم أن رؤيا يوسف حق وصدق، وسيظهرها ويحقّقها الله -تعالى- عاجلاً أو آجلاً. [٥] ومن الدروس التي يمكن أن الاستفادة منها من هذه الآية الكريمة؛ أن الإنسان مهما أصابه من الحزن والهمّ لا ينبغي أن يشكو همّه وحزنه لغير الله -تعالى-؛ فلا أحد يحب منفعته ويريد له الخير سواه، والمسلم عليه أن يتحلى بالصبر دائماً، وأن يتوكل على الله -تعالى- موقناً أنه لا بد أن يكشف همّه ويزيل غمه. [٦] الآية الكريمة يقول -سبحانه- في هذه الآية: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) ، [٧] وقد وردت هذه الآية في سورة يوسف ورقمها (86)، وسميت سورة يوسف بهذا الاسم لأنها تحدثت عن قصة نبي الله -تعالى- يوسف -عليه السلام- كاملة، ولم تذكر قصته في غيرها، وهي سورة مكية نزلت بعد سورة هود، وقبل سورة الحجر، وهي السورة الثالثة والخمسين في ترتيب نزول السور.
إنما أشكو بثي وحزني إلى الله - YouTube
19733- حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي قال، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن الحسن قال، كان منذ خرج يوسف من عند يعقوب إلى يوم رجع ثمانون سنة ، لم يفارق الحزن قلبه ، يبكي حتى ذهبَ بصره. قال الحسن: والله ما على الأرض يومئذ خليقةٌ أكرم على الله من يعقوب صلى الله عليه وسلم. * * * ---------------------- الهوامش: (41) في المخطوطة والمطبوعة: " لفظهم به" ، وهو لا يستقيم ، صوابه ما أثبت ، ويعني جفاءهم فيما يخاطبونه به من الكلام. (42) هو لفظ أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 317. (43) هذا خبر مضطرب اللفظ ، أخشى أن يكون فيه سقط أو تحريف. (44) في المطبوعة و المخطوطة: " يا طهر الطاهرين" ، والصواب ما أثبت. (45) في المطبوعة والمخطوطة: " وسميت بالضالين المفسدين" ، وهو لا يستقيم ، صوابه ما أثبت. وانظر بعد قوله: " وسماك الله في الصديقين". (46) في المخطوطة: " قال: قد ابيضت عيناه من الحزن عليك" ، وحذف ما بين الكلامين من سؤال وجواب. (47) في المخطوطة: " من بب فلم نصير" ، غير منقوطة وعلى الجملة حرف ( ط) دلالة على الخطأ ، والذي في المطبوعة ، هو نص ما في الدر المنثور 4: 31.
وفي سيرة الأنبياء والصالحين دروس للمصابين ،وهم يشكون ما أصابهم إلى ربهم فتكون عاقبة شكواهم سكون القلب وتفريج للكرب. فهذا نبي الله يعقوب(عليه السلام) يقول لأبنائه: "قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ" (يوسف:86). فكأنه يقول لهم: إليكم عني، دعوني وربي ، فأنتم لا تعيشون مأساتي ،ولا تعلمون ما أحسّ به من أمل وتفاؤل وحسن ظن بالله ، وكأنه يريد أن يقول: يا رب ، يامن إليك التجأت ، وبك اعتصمت، وعليك توكلت، وإليك ألقيت أمورى، فلا فارج لهمي ولا كاشف لبلواي إلا أنت، يا صاحب الركن الشديد ، أشهدك أنى قد آويت الى ركنك الشديد ، فارزقني حسن الشكاية ، ولا تحرمني منك حسن الكفالة والرعاية والستر و الكفاية. يا رب: ردني إليك ردا جميلا، وانسج لي حبلا جديدا من حبالك أمسك به واعتصم، يا رب: امنن على بفضل منك ورحمة ،وأنزل علي رحمة من رحماتك ،وكرما من كرمك، وحفظا من حفظك، فلا يكن لأحد بعدك سلطان علىّ.
قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) { قَالَ} يعقوب { إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي} أي: ما أبث من الكلام { وَحُزْنِي} الذي في قلبي { إِلَى اللَّهِ} وحده، لا إليكم ولا إلى غيركم من الخلق، فقولوا ما شئتم { وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} من أنه سيردهم علي ويقر عيني بالاجتماع بهم.