تاريخ النشر: الأحد 11 محرم 1431 هـ - 27-12-2009 م التقييم: رقم الفتوى: 130616 93480 0 386 السؤال هل ـ فعلا ـ الدعاء يرد القضاء وحتى إن كان ذلك بعد الاستخارة؟ وهل يجوز الدعاء بعودة ما صرفه الله عنا بحجة أن الدعاء يرد القضاء؟. الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فإن ظواهر النصوص تدل على أن الدعاء بصرف الشر المقضي جائز وأنه يحصل به صرفه، كما يدل له حديث القنوت الذي جاء فيه: وقني شر ما قضيت. رواه أحمد وأصحاب السنن. وفي الحديث: لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر. رواه الحاكم، وحسنه الألباني. وفي الحديث: الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. مدى مشروعية دعاء: اللهم لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه - خالد عبد المنعم الرفاعي - طريق الإسلام. رواه الحاكم، وحسنه الألباني. وإذا استخار العبد في أمر فدعا الله تعالى بقوله فاصرفه عنه واصرفني عنه فينبغي له أن يرضى بما قدر الله تعالى له، فقد ذكر زروق ـ الفقيه المالكي ـ أن من أمراض القلوب عدم رضى الإنسان بما يحصل له بعد الاستخارة. ثم إنك إذا استخرت في أمر ولم يتيسر وكانت عندك رغبة في الحصول عليه، فلا مانع من سؤال الله تعالى أن ييسر لك الحصول عليه، لأن الأصل مشروعيته سؤال الله تعالى كل حاجة مباحة، ففي الحديث: ليسأل أحدكم حاجته كلها حتى يسأل شسع نعله إذا انقطع.
[٢] [٦] وقال جمهور العلماء أنّ الدّعاء أفضل من الرضا بالقدر دون الدعاء؛ لقول النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (الدعاءُ مُخُّ العبادةِ) ، [٧] ولأنّ الأنبياء أكثروا من الدّعاء، فيحرص المؤمنون على الاقتداء بهم للفوز برضا الله -سبحانه تعالى-، فهو يحبّ أن يقف العبد بين يديه، ويدعوه ويتذلّل له، ويطلب حوائجه منه وحده ويفرّ إليه.
الدعاء طلب من الداني إلى العالي، كما قيل. أمّا المناجاة القلبيّة، فهي حديث القلب مع الله تعالى. والمناجاة كما قد تكون في السرّ، قد تكون في العلانية أيضاً. دعاء اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه - الإسلام سؤال وجواب. وتتميّز المناجاة بشدّة الإخلاص؛ ولذا اعتبرها بعضهم أرفع درجة من الدعاء، فهي حديث المحبّ لمحبوبه. ونلاحظ أنّ العلماء الأعلام (رضوان الله عليهم)، الذين نقلوا لنا تراث أهل البيت عليهم السلام، قد ميّزوا بين الدعاء والمناجاة، لما في الأخيرة من الخصوصيّات الروحيّة. وقد نقل الشيخ عبّاس القمّيّ في "مفاتيح الجنان" المناجاة الخمس عشرة لمولانا الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام، وكذلك المناجاة المنظومة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، كما نقل في "الباقيات الصالحات" (مجموعة من المناجاة). وبالعودة إلى المناجاة القلبيّة، فهي وإن كانت ممدوحةً بالطبع، إلّا أنّها لا تغني عن المناجاة الملفوظة والدعاء، لكن ورد المدح للإسرار في الدعاء، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "دعوة في السرّ تعدل سبعين دعوة في العلانية"(9)، وهي مما يصدق عليها المناجاة، كما أنّها من علامات الخاشعين لما ورد أيضاً عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أمّا علامات الخاشع فأربعة:... والمناجاة لله"(10).
الشيخ علي جابر جاء في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الدعاء مخّ العبادة، ولا يهلك مع الدعاء أحد"(1). وفي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ في الأرض الدعاء"(2). إنّ جوهر العبادات الشرعيّة في الإسلام، هو الدعاء لله تعالى. وقد ذكر اللغويّون أنّ معنى الصلاة هو الدعاء، والدليل قوله تعالى: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ﴾ (التوبة: 103)؛ أي ادعُ لهم، فإنّ دعاءك يا رسول الله سببٌ لسكينتهم واطمئنانهم. وذكروا له أيضاً معنى التعظيم. •الدعاء مورد رعاية الدعاء هو الابتهال والتذلّل بخشوع لله تعالى؛ لأنّه وليّ كلّ النعم والمستحقّ للعبادة، فهو مظهر ارتباط الإنسان الفقير المحتاج الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فهو عين الفقر والحاجة، أمّا الله تعالى فهو الغنيّ المطلق الذي بيده كلّ شيء وإليه تُرجع أسباب كلّ شيء. وإلى هذا المعنى تشير الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ (فاطر: 15). فقد أركزت الآية الكريمة الإنسان في مقام الفقر المطلق، وشدّت الانتباه إلى هذا المعنى بقوله تعالى: ﴿أَنتُمُ﴾، بعد أن كان الخطاب لكلّ الناس.