وتميّز عصر الإمام الهادي(عليه السلام) بقربه من عصر الغيبة المرتقب ، فكان عليه أن يهيّئ الجماعة الصالحة لاستقبال هذا العصر الجديد الذي لم يُعهد من قبل حيث لم يمارس الشيعة حياتهم إلاّ في ظل الارتباط المباشر بالأئمة المعصومين خلال قرنين من الزمن. ومن هنا كان دور الإمام الهادي(عليه السلام) في هذا المجال مهمّاً وتأسيسيّاً وصعباً بالرغم من كل التصريحات التي كانت تتداول بين المسلمين عامّةً ، وبين شيعة أهل البيت خاصّةً حول غيبة الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت(عليهم السلام) أي المهدي المنتظر الذي وعد الله به الأمم. وبالرغم من العزلة التي كانت قد فرضتها السلطة العباسية على هذا الإمام حيث أحكمت الرقابة عليه في عاصمتها سامراء ولكنّ الإمام كان يمارس دوره المطلوب ونشاطه التوجيهي بكل دقّة وحذر ، وكان يستعين بجهاز الوكلاء الذي أسّسه الإمام الصادق(عليه السلام) وأحكم دعائمه أبوه الإمام الجواد(عليه السلام) وسعى من خلال هذا الجهاز المحكم أن يقدّم لشيعته أهمّ ما تحتاج إليه في ظرفها العصيب. الإمام علي الهادي (عليه السلام) | الائمة الاثنا عشر. وبهذا أخذ يتّجه بالخط الشيعي أتباع أهل البيت(عليهم السلام) نحو الاستقلال الذي كان يتطلّبه عصر الغيبة الكبرى ، فسعى الإمام علي الهادي(عليه السلام) بكل جدّ في تربية العلماء والفقهاء إلى جانب رفده المسلمين بالعطاء الفكري والديني و العقائدي والفقهي والأخلاقي ، ويمثّل لنا مسند الإمام الهادي(عليه السلام) جملة من تراثه الذي وصل إلينا بالرغم من قساوة الظروف التي عاشها هو ومَن بعده من الأئمة الأطهار(عليهم السلام).
(*) / صفحة 247 / عليها، وقالوا له: لم نجد في بيته شيئا، ووجدناه يقرأ القرآن مستقبلا القبلة. وكان المتوكل حين دخل عليه الامام في مجلس الشرب حاملا الكأس بيده، فلما رآه هابه وعظمه، وكان في المجلس علي بن الجهم، فسأله المتوكل: من اشعر الناس؟. فذكر ابن الجهم الشعراء في الجاهلية والاسلام. فسأل الامام عن ذلك؟ فقال: اشعر الناس الحماني حيث يقول: لقد فاخرتنا من قريش عصابة * بمط خدود وامتداد اصابع فلما تنازعنا المقال قضى لنا * عليهم بما نهوى نداء الصوامع ترانا سكوتا والشهيد بفضلنا * عليهم جهير الصوت في كل جامع فان رسول الله احمد جدنا * ونحن بنوه كالنجوم الطوالع فقال له المتوكل: وما نداء الصوامع يا أبا الحسن؟. قال: اشهد ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. رجل يتشيع: كان بأصفهان رجل يدعى عبد الرحمن، وكان له لسان وجرأة، وكان شيعيا. الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) نبذة من سيرته. فقيل له: ما سبب تشيعك وقولك بامامة الهادي؟ قال: اخرجنى أهل أصفهان سنة من السنين، وذهبوا بي إلى باب المتوكل شاكين متظلمين، وفي ذات يوم، ونحن وقوف بباب المتوكل ننتظر الاذن بالدخول اذ خرج الامر باحضار علي الهادي فقلت لبعض من حضر: من هذا الرجل الذي أمر الخليفة باحضاره؟. قال: رجل علوي، تقول الرافضة بامامته، ويريد المتوكل قتله.
اسمه ونسبه(ع)(1) الإمام علي الهادي بن محمّد الجواد بن علي الرضا(عليهم السلام). كنيته(ع) أبو الحسن، ويُقال له: أبو الحسن الثالث؛ تمييزاً له عن الإمام علي الرضا(ع) فإنّه أبو الحسن الثاني. من ألقابه(ع) الهادي، النقي، العالم، الفتّاح، المتوكّل، المرتضى، النجيب. أُمّه(ع) جارية اسمها سُمانة المغربية. ولادته(ع) ولد في الخامس عشر من ذي الحجّة 212ﻫ، وقيل: في الثاني من رجب 212ﻫ بقرية صريا، التي تبعد عن المدينة المنوّرة ثلاثة أميال. زوجته(ع) جارية اسمها سَوسَن المغربية. من أولاده(ع) الإمام الحسن العسكري(ع)، الحسين، محمّد، جعفر. سيرة الامام علي بن محمد الهادي عليه السلام. عمره(ع) وإمامته عمره 41 عاماً، وإمامته 33 عاماً. حكّام عصره(ع) في سِنِي إمامته المعتصم بن هارون الرشيد، الواثق، المتوكّل. مكانته(ع) العلمية أجمع أرباب التاريخ والسير على أنّ الإمام(ع) كان علماً لا يُجارى من بين أعلام عصره، وقد ذكر الشيخ الطوسي(قدس سره) في كتابه الرجال مائة وخمسة وثمانين تلميذاً وراوياً، تتلمذوا عنده ورووا عنه. وكان مرجع أهل العلم والفقه والشريعة، وحفلت كتب الرواية والحديث والمناظرة والفقه والتفسير وأمثالها بما أُثر عنه، واستلهم من علومه ومعارفه. هيبته(ع) في القلوب قال محمّد بن الحسن الأشتر العلوي: «كُنْتُ مَعَ أَبِي عَلَى بَابِ المُتَوَكِّلِ، وَأَنَا صَبِيٌّ فِي جَمْعٍ مِنَ النَّاسِ، مَا بَيْنَ طَالِبِيٍّ إِلَى عَبَّاسِيٍّ وَجَعْفَرِيٍّ، وَنَحْنُ وُقُوفٌ إِذْ جَاءَ أَبُو الْحَسَنِ، تَرَجَّلَ النَّاسُ كُلُّهُمْ حَتَّى دَخَلَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لِمَ نَتَرَجَّلُ لِهَذَا الْغُلَامِ، وَمَا هُوَ بِأَشْرَفِنَا وَلَا بِأَكْبَرِنَا وَلَا بِأَسَنِّنَا، وَاللهِ لَا تَرَجَّلْنَا لَهُ.
ويبدو أنه لم يستقدمه إلا بعد أن توالت عليه الرسائل من الحجاز تخبره بأن الناس في الحرمين يميلون إليه، وكانت زوجة المتوكل التي يبدو أنه أرسلها لاستخبار الأمر ممن بعثوا الرسائل. ويبدو من طريقة استقدام الإمام أن المتوكل كان شديد الحذر في الأمر، حيث بعث بسرية كاملة من سامراء إلى المدينة لتحقيق هذا الأمر. وقد كتب المتوكل إلى الإمام رسالة جاء فيها: "فقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد الله بن محمد عما كان يتولى من الحرب والصلاة بمدينة الرسول إذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقك، واستخفافه بقدرك، وعندما قرنك به ونسبك إليه من الأمر الذي قد علم أمير المؤمنين براءتك منه وصدق نيتك وبرّك وقولك وأنك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه وقد ولى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل وأمره بإكرامك وتبجليك والانتهاء إلى أمرك ورأيك، والتقرب إلى الله وإلى أمير المؤمنين بذلك. وأمير المؤمنين مشتاق إليك يحب إحداث العهد بك والنظر إلى وجهك". الامام علي الهادي مركزالاشعاع. وعندما نزل الهادي مدينة سامراء أسكنه المتوكل في دار الصعاليك لمدة ثلاث أيام، قبل أن يدخل عليه. والمتوكل العباسي المعروف بشدَّة بطشه وبغضه لأهل البيت الفاطميين، أراد أن يبقى علي الهادي قريباً منه حتى يسهل عليه القضاء عليه أنى شاء.