[١٠] نعم ندمَ صاحبُ الجنتين على شركه بالله، وندم على كفرهِ بالنعمةِ، ولكنّ ندمهُ جاء بعد هلاك جنتيه وخسارته لما أنعم اللهُ عليه، وعلمَ وقتها أنه لا عظيمَ ولا ناصرَ إلا الله، ولا يستحقُّ العبادةَ إلا الله، وأنّ النعمة يجبُ أن تُقابلَ بشُكر الله عليها، وأدرك أنهُ أخطأ أكبر الخطأ حينما منعَ الصدقةَ، وحرم الفقراءَ والمساكين من حقهم في هذهِ النعمة.
كانت نصيحة صاحبه له بأن يشكر الله على كل نعمه وفضله العظيم عليه، وألا يتكبر بما آتاه الله على غيره من العباد، وأن الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء، نصحه بأن يوقن بداخل نفسه أن الله قادر على أن يؤتيه هو الفقير كل شيء في لمح البصر، يؤتيه الكثير من الأموال والولد، كما أن الله سبحانه وتعالى قادر على حرمانه من كل هذه النعم التي أنسته حق الله عليه. تلخيص قصة صاحب الجنتين. قال تعالى: " وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا، أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا". ولكنه لم يتعظ من الأساس، ولم ينتبه لنصح صاحبه، فكان العقاب من الله سبحانه وتعالى على أفعاله وتسلطه على عباده، وذات ليلة أتت صاعقة على جنتيه فجعلتهما كالرماد، لم يبق شيء بهما على أصله، وماء النهر أصبح غورا. جاء صاحب الجنتين فأخذ يقلب كفيه من هول ما يشاهد أمامه، شعر حينها بالمعنى الحقيقي للندم، تعلم الدرس قاسيا، وتعلم ألا يشرك بالله شيئا وألا يأخذه هوى نفسه، وأن يعرف أن يؤدي لكل نعمة شكرها.
قال تعالى: " وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا". قصص الأنبياء صاحب الجنتين من قصص القرآن الكريم. ومازال الغني يتباهى ويتفاخر أمام صاحبه، ويحاكيه بأن الله سبحانه وتعالى فضله عليه بزيادة المال والولد، ويحثه على النظر لجنتيه موقنا بأن جنتيه لن يصيبهما أي مكروه على الإطلاق، ومن كثرة الأمل الذي بقلبه اعتقد بأنه لا يوجد موت ولا بعث بعد الموت، حتى أن السعاة والحساب غير موجودان بحساباته على الإطلاق. قال تعالى: " وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا". بالتأكيد كل كلماته لم ترضي صاحبه الرجل التقي فأخذ ينصحه ويعيد إليه حساباته من جديد، وحذره من طريقته التي أصبح عليها، ذكره بقدرة الله سبحانه وتعالى وذكره بكيفية خلقه، فقد خلقه الله من شيء لم يكن على الإطلاق، ذكره بمراد الله منه، وحذره من نكران أنعم الله عليه وجحوده بها. قال تعالى: " قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا، لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا".