وقد يستطيع العاملون في سبيل الله استيحاء مضمونها في مسيرتهم الطويلة نحو الهدف الكبير، وهو دخول الناس في الإسلام، وحركتهم في خطّه، والتفافهم حول شعاراته وفتح الأبواب المغلقة عنه، ليبقى الأمل حيّاً في قلوبهم، ولتستمر القوّة في مواقفهم، والثبات في مواقعهم، حتى تأتي ساعة نصر الله والفتح ودخول الناس في دين الله أفواجاً، وانطلاق حركتهم في ساحة المسؤولية في أجواء الصراع. ـــــــــــــــــــــ الآيــات {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوِابَا} (1ـ3). * * * مناسبة النزول جاء في أسباب النزول عن عائشة ـ في ما رواه الإمام أحمد ـ قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) يكثر في آخر أمره من قوله: «سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه» وقال: «إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامةً في أمتي، وأمرني إذا رأيتها أن أسبّح بحمده وأستغفره إنه كان توّاباً، فقد رأيتها {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إ ِنَّهُ كَانَ تَوّابَا} [1].
{وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} لأن الناس كانوا يقفون أمام الحاجز الكبير الذي وضعته قريش أمامهم، لتمنعهم من الاندفاع نحو الإسلام ونحو الرسول بفعل القوّة الغاشمة التي تملكها على الصعيد الاقتصادي والعسكري والسياسي، في ما تملكه من موقعٍ مميّزٍ لدى القبائل. وكان الناس يترقّبون النتائج النهائية للصراع الدائر بين المسلمين وقريش، ليحدّدوا موقفهم، وكانوا يأملون أن تكون النتيجة لمصلحة المسلمين، فلما كان فتح مكة وتحقق الوعد الإلهي، وتحطم الحاجز النفسي والمادي الذي كان يحول بينهم وبين الدخول في الإسلام، دخلوا في دين الله أفواجاً، وتحوّل الواقع إلى موجٍ هادرٍ يكتسح أمامه كل شيء. كيف يعبّر المسلمون عن فرحهم بالنصر؟ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوّاباً} وهذا هو الجوّ الذي أراد الله من النبي(ص) أن يستقبل به النصر والفتح والاندفاع الجماهيري للأمة نحو الإسلام.
وهذا هو المنهج الروحي الأخلاقي الذي يريد الله من الإنسان المؤمن أن يلتزمه في حركته العملية، فيكون التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير سبيله إلى تعميق إحساسه بالصلة الوثيقة التي تربطه، كما تربط الكون كله، بالله. إذا جاء نصر الله والفتح. وذكر بعض المفسرين في وجه مناسبة الأمر بالتسبيح والحمد للموضوع فقال: «لما كان هذا النصر والفتح إذلالاً منه تعالى للشرك وإعزازاً للتوحيد، وبعبارة أخرى، إبطالاً للباطل وإحقاقاً للحق، ناسب من الجهة الأولى تنزيهه تعالى وتسبيحه، وناسب من الجهة الثانية ـ التي هي نعمة ـ الثناء عليه تعالى وحمده، فلذلك أمره بق وله: {فَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [4]. كيف نفهم توجيه الخطاب بالاستغفار إلى النبي المعصوم؟ وأمّا الاستغفار، فقد يكون التفاتاً إلى كلِّ التاريخ الذي عاش فيه المسلمون في حركة الصراع، مما قد يكونون قد أخطأوا فيه، أو أذنبوا في تجاوز بعض حدود الله، ليقف الجميع بين يدي الله في موقف الفتح والنصر وانفتاح الواقع على الإسلام كله، ليستغفروه من ذنوبهم الماضية، ليتوب عليهم، امتناناً منه ورحمةً، على أساس جهدهم الذي قدّموه في سبيل الله في نتيجته الكبيرة بفتح مكة. وإذا كان النبي(ص) لم يقم بذنب في كل مسيرته على أساس عصمته وكماله، فقد يكون الخطاب له، من خلال أنه قائد المسلمين، في ما تمثله القيادة من عنوان القاعدة، فيخاطبهم الله باسمه، لأنه يتحمّل مسؤوليتهم في العنوان العام.
وقد قال الله تعالى: { وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ} {المائدة/35}. أعاذنا الله وإياكم من وساوس الشيطان.
الوسوسة في النفس السؤال: سلام عليكم ورحمة الله وبركاتة. لو سمحت شيخنا الكريم أنا عندي مشكلة في نفسي إنّه دايماً تجيني وسوسة في نفسي ، تعبت من هالشي كثير ، ولا عارف شنو أعمل بنفسي ، المشكلة دايماً تجيني أشياء متعلقة بالدين ووالأئمه ، والله تعبت من هالشي كثير ، ياليت تفيدني. الجواب: من سماحة السيّد علي الحائري لم يتضح لنا وجه السؤال ، فما هي المشكلة ؟ وما هي الوسوسة التي تراودكم ؟ وعموماً فإنّ الوسوسة من الشيطان ، وطريق التخلّص منها عبارة عن الإستعاذ بالله دائماً من الشيطان: { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ} {الأعراف/200}. ثمّ قراءة القرآن الكريم باستمرار ، ومع التدبّر وإمعان النظر فيه. ثمّ المواظبة على الفرائض والواجبات عموماً ، وبالاخصّ الصلاة ، والأفضل المواظبة على النوافل أيضاً: { وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} {البقرة/45}. كيف اتخلص من وسواس سب الله نهائيا | جدني. ثمّ مراجعة ذوي الاختصاص في فهم الدين والأئمة (عليهم السّلام) ، وطرح السؤال والمشكلة عليهم: { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} {النحل/43} {الأنبياء/7}. ثمّ التوسّل بأهل البيت (عليهم السّلام) في التغلّب على المشاكل والوساوس ؛ فإنّهم نعم الوسيلة.
تاريخ النشر: الثلاثاء 20 ربيع الأول 1435 هـ - 21-1-2014 م التقييم: رقم الفتوى: 237370 37273 0 220 السؤال عندما كنت أصلي، سمعت سبا لله تعالى، فتفلت عن يساري ثلاثا، على أساس أنها وسوسة شيطان، ولكني سمعته مرة أخرى بعد أن تفلت. إذا كان هذا السب ليس وسوسة من الشيطان، بل من نفسي: كيف تكون النفس المؤمنة، الحريصة على عبادة الله وطاعته، بهذا السوء؟ أرجو التوضيح. علاج الغضب وعقوق الوالدين - خالد عبد المنعم الرفاعي - طريق الإسلام. الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فإنك لم تبين لنا هل سمعت السب من نفسك أو من غيرك، ولا شك أن سب الله تعالى أمر خطير، وهو يعتبر كفرا إذا صدر من عاقل واع لما يقول، وعلى من غلبه الوسواس على نفسه فصار يتفوه بالسب، أن يبادر للاستعاذة بالله تعالى من الشيطان ووساوسه؛ فقد ثبت في الحديث عن عثمان بن أبي العاص قال: يا رسول الله: إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي، وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثا. قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني. رواه مسلم. ثم إن الوساوس قد تعرض للمؤمن، ولكن خوفه منها دليل على صحة إيمانه؛ فإن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه، فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه، وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء، ولا يقتصر في حقه على الوسوسة، بل يتلاعب به كيف أراد.
ثم إن كره العبد وخوفه ونفوره من هذه الخواطر والوساوس الشيطانية، علامة على صحة الاعتقاد وقوة الإيمان. فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم. قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك. اهـ. الوسوسة في النفس. وراجعي في ذلك الفتويين: 7950 ، 12300. والسائلة الكريمة من هذا النوع إن شاء الله، لأنها تقول عن نفسها: (وكنت أكرهها بشـدة.. وأنا كارهة لذلك). وقد سبق لنا بيان سبل التخلص من الوسوسة وعلاجها في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 70476 ، 48325 ، 124259 ، 60628 ، 78372 ، 3086. والله أعلم.
وعن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " إذا غَضِب أحدُكم وهو قائم فليجلسْ؛ فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع "(رواه أحمد، والترمذي). ولتكفَّ لسانك ولتحذره؛ فإنه بابٌ إلى الجحيم، وفي الصحيحين عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " إن العبد ليتكلَّم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالًا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلَّم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم ". فرفع الصوت على أمك مِن العقوق لها، وخاصة في حالة الغضب، فكيف بالضرب والسب؟ نسأل الله العافية، والله تعالى حرَّم مجرد كلمة أفٍّ؛ قال الله تعالى في شأن الوالدين: { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}[الإسراء: 23]. فبادرْ بالتوبة النصوح إلى الله تعالى لعل الله يغفر لك، ويتوب عليك؛ فإنَّ التائب من الذنب كمَن لا ذنب له. وتذكَّر أن الأم لها ثلاثة أرباع البرِّ؛ كما في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، مَن أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: " أمُّك "، قال: ثم مَن؟ قال: " ثم أمُّك "، قال: ثم مَن؟ قال: " ثم أمُّك "، قال: ثم مَن؟ قال: " ثم أبوك ".
وأما إن زينتَ لنفسك الباطل ، وخففت من قبح الجناية بزعم أنها صدرت في حال الغضب ، فهنا تضعف همتك ، ويقل إقبالك على الله. ولتعلم أن الغضب والذهول الذي يعذر معه الإنسان هو ما أفقده القدرة على التمييز حتى لا يدري ما يقول ، وهذا إن حصل مرة ، فلا يحصل مرات ، وكثير ممن ابتلي بسب الدين أو سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم لا يمكنه أن يسب أباه أو الشخص المعظم عنده أو أبا خصمه ونحو ذلك مهما اشتد غضبه ، لكنه يسب الدين ، لخواء قلبه ، وفقدان تعظيمه لله ولرسوله ولدينه ، نسأل الله العافية ، ولو كان في قلبه إيمان لحجزه ومنعه عن السب. ولهذا نقول: دع عنك هذه الوساوس ، فقد ارتكبت المنكر الأعظم ، وأمامك رب رحيم كريم ، يقبل توبة التائب ، ويعفو عن المذنب ، ويبدل السيئات إلى حسنات ، فشمر عن ساعد الجد ، واملأ قلبك من تعظيم الله تعالى وتعظيم دينه ، وأكثر من قراءة القرآن والعمل الصالح. نسأل الله أن يتقبل توبتك ويغفر ذنبك. والله أعلم.
الحمد لله. سب الله أو الرسول أو الدين كفر وردة عن الإسلام بالإجماع ، وعلى فاعل ذلك أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا ، بأن يندم على ما فات ، ويعزم على عدم العود إليه ، فإن تاب تاب الله عليه ، قال تعالى: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53. وعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) رواه مسلم (2759). فعليك بالتوبة والأوبة والإكثار من الأعمال الصالحة. وأما التفكير في أن السب كان عن عمد أم لا ، فهو من وسوسة الشيطان ، يريد أن يصرفك عن التوبة ، أو يضعف خوفك من الله واجتهادك في الصالحات ، فإنك إن علمت قبح ما صدر منك ، وخطره ، وعظم شأنه ، دعاك ذلك للاجتهاد في الخير ، وأورث في قلبك الانكسار والذل بين يدي الله ، وجعلك معلق الرجاء في فضله وإحسانه وعفوه عنك.