وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) ( وزروع) والمراد بها الأنهار والآبار ، ( ومقام كريم) وهي المساكن الكريمة الأنيقة والأماكن الحسنة. وقال مجاهد ، وسعيد بن جبير: ( ومقام كريم): المنابر. وقال ابن لهيعة ، عن وهب بن عبد الله المعافري ، عن عبد الله بن عمرو قال: نيل مصر سيد الأنهار ، سخر الله له كل نهر بين المشرق والمغرب ، وذلله له ، فإذا أراد الله أن يجري نيل مصر أمر كل نهر أن يمده ، فأمدته الأنهار بمائها ، وفجر الله له الأرض عيونا ، فإذا انتهى جريه إلى ما أراد الله ، أوحى الله إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره. وقال في قوله تعالى: ( كم تركوا من جنات وعيون. وزروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها فاكهين) قال: كانت الجنان بحافتي هذا النيل من أوله إلى آخره في الشقين جميعا ، ما بين أسوان إلى رشيد ، وكان له تسعة خلج: خليج الإسكندرية ، وخليج دمياط ، وخليج سردوس ، وخليج منف ، وخليج الفيوم ، وخليج المنهى ، متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء ، وزروع ما بين الجبلين ، كله من أول مصر إلى آخر ما يبلغه الماء ، وكانت جميع أرض مصر تروى من ستة عشر ذراعا ، لما قدروا ودبروا من قناطرها وجسورها وخلجها.
القول في تأويل قوله تعالى: ( كم تركوا من جنات وعيون ( 25) وزروع ومقام كريم ( 26) ونعمة كانوا فيها فاكهين ( 27) كذلك وأورثناها قوما آخرين ( 28)) يقول - تعالى ذكره -: كم ترك فرعون وقومه من القبط بعد مهلكهم وتغريق الله إياهم من بساتين وأشجار ، وهي الجنات ، وعيون ، يعني: ومنابع ما كان ينفجر في جنانهم ، وزروع قائمة في مزارعهم ( ومقام كريم) يقول: وموضع كانوا يقومونه شريف كريم. ثم اختلف أهل التأويل في معنى وصف الله ذلك المقام بالكرم ، فقال بعضهم: وصفه بذلك لشرفه ، وذلك أنه مقام الملوك والأمراء ، قالوا: وإنما أريد به المنابر. ذكر من قال ذلك: حدثني جعفر ابن ابنة إسحاق الأزرق قال: ثنا سعيد بن محمد الثقفي ، [ ص: 32] قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ، عن أبيه ، عن مجاهد في قوله ( ومقام كريم) قال: المنابر. حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال: ثنا عبد الله بن داود الواسطي قال: ثنا شريك ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير في قوله ( ومقام كريم) قال: المنابر. وقال آخرون: وصف ذلك المقام بالكرم لحسنه وبهجته. حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( ومقام كريم): أي حسن. وقوله ( ونعمة كانوا فيها فاكهين) يقول - تعالى ذكره -: وأخرجوا من نعمة كانوا فيها فاكهين متفكهين ناعمين.
قال الجوهري: فكه الرجل ( بالكسر) فهو فكه إذا كان طيب النفس مزاحا. والفكه أيضا الأشر البطر. وقرئ ( ونعمة كانوا فيها فكهين) أي: أشرين بطرين. وفاكهين أي: ناعمين. [ ص: 129] القشيري: فاكهين لاهين مازحين ، يقال: إنه لفاكه أي: مزاح. وفيه فكاهة أي: مزح. الثعلبي: وهما لغتان كالحاذر والحذر ، والفاره والفره. وقيل: إن الفاكه هو المستمتع بأنواع اللذة كما يتمتع الآكل بأنواع الفاكهة. والفاكهة: فضل عن القوت الذي لا بد منه.