الشرح: الدُّعاءُ والتَّذلُّلُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ بكلِّ ما يَليقُ بذاتِه مِن مَفاتيحِ تَفْريجِ الكُروبِ، وفيه يُظهِرُ العبدُ تَضرُّعَه وانقيادَه للهِ سبحانه؛ لعِلْمِه بأنَّه سبحانه هو القادرُ على إجابةِ دُعائِه. وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ ابنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كان يقولُ في دُعائِه " رَبِّ أعِنِّي " أي: أطلُبُ مِنك العونَ، والتَّوفيقَ لطاعتِك، وعبادتِك على الوجهِ الأكملِ الَّذي يُرْضيك عنِّي, وأطلُبُ مِنك العونَ على جميعِ الأمورِ الدِّينيَّةِ والدُّنيَويَّةِ والأُخرَويَّةِ، وفي مُقابلةِ الأعداءِ أمِدَّني بمَعونتِك وتوفيقِك. " ولا تُعِنْ علَيَّ " ولا تَجعَلْ عونَك لِمَن يمنَعُني عن طاعتِك مِن النَّفْسِ الأمَّارةِ بالسُّوءِ، ومِن شَياطينِ الإنسِ والجِنِّ. ما معنى اسلل سخيمة قلبي – صله نيوز. " وانصُرْني "، وهذا طلَبٌ للنُّصْرةِ في كلِّ الأحوالِ، وقيل: مَعْناه: انصُرْني على نَفْسي الأمَّارةِ بالسُّوءِ؛ فإنَّها أَعْدى أعدائي، كما قال سبحانَه " إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي " يوسف: 53 ، ولا مانِعَ مِن إرادةِ الجَميعِ؛ لأنَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لم يُخصِّصْ نوعًا مُعيَّنًا. "
"رَبِّ تقَبَّلْ توبَتي " أي: اجعَلْها صَحيحةً بشَرائِطِها وآدابِها، وتَقبَّلْها منِّي. " واغسِلْ حَوبَتي "أيِ: امْسَحْ ذَنبي وإثمي، وذَكَر الغَسْلَ لِيُفيدَ إزالتَه بالكُلِّيَّةِ. " وأجِبْ دَعْوتي " أي: استَجِبْ كلَّ دُعائي. " وثَبِّتْ حُجَّتي "، أي: ثبِّتْ حُجَجي وبَراهيني في الدُّنيا على أعدائِك بالحجَّةِ الدَّامِغةِ، والدَّعوةِ، والأمرِ بالمعروفِ، والنَّهيِ عن المنكَرِ بالأدلَّةِ البيِّناتِ السَّاطعةِ، وثبِّتْ قَولي في الآخرةِ عِندَ سُؤالِ الملَكَينِ في القَبْرِ، والحُججُ هي البيِّناتُ والدَّلائلُ. ثم خَتم صلَّى الله عليه وسلَّم دُعاءَه بقولِه: " واهْدِ قَلْبي " أي: أرشِدْه ووفِّقْه إلى مَعرِفتِك، ومعرفةِ الحقِّ والهُدى والصِّراطِ المستقيم. " وسَدِّدْ لِساني " أي: صَوِّبْ لِساني؛ حتَّى لا يَنطِقَ إلَّا بالحقِّ، ولا يَقولَ إلَّا الصِّدْقَ. " اسْلُلْ سَخيمةَ قَلْبي " أي: أخرِجْ مِن قَلْبي: الحِقْدَ والغِلَّ، والحسدَ والغِشَّ. وفي الحديثِ: الدُّعاءُ بما فيه أسبابُ الصَّلاحِ والسَّعادةِ في الدُّنيا والآخِرَةِ. الدرر. *شرح الشيخ عبد الرزاق عبد المحسن البدر: - هنا - و هنا -
والحديث في سنن الترمذي وابن ماجه أيضا، وقال الشيخ الألباني: صحيح. قال في عون المعبود شرح سنن أبي داود: معنى واغسل حوبتي: أي امح إثمي، والحوب الإثم، ومعنى واسلل سخيمة قلبي: أي غشه وغله وحقده وحسده ونحوها بما ينشأ من الصدر ويسكن في القلب من مساوئ الأخلاق. قاله علي القاري انتهى. والله أعلم.