مالي لا أرى الهدهد: أعرض لي ما منعني من رؤيته أم كان من الغائبين؟ لأعذبنه عذابا شديدا: أي بنف ريشه ورميه في الشمس فلا يمتنع من الهوام. بسلطان مبين: أي بحجة واضحة على عذره في غيبته. فمكث غير بعيد: أي قليلا من الزمن وجاء سليمان متواضعا. أحطت بما لم تحط به: أي اطلعت على ما لم تطلع عليه. وجئتك من سبأ: سبأ قبيلة من قبائل اليمن. إني وجدت امرأة: هي بلقيس الملكة. ولها عرش عظيم: أي سرير كبير. فصدهم عن السبيل: أي طريق الحق والهدى. ألا يسجدوا لله: أصلها أن يسجدوا أي فهم لا يهتدون أن يسجدوا لله. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل - الجزء: 3 صفحة: 362. وزيدت فيها "لا" وأدغمت فيها النون فصارت ألا نظيرها لئلا يعلم أهل الكتاب من آخر سورة الحديد. يخرج الخبء في السموات والأرض: أي المخبوء في السموات من الأمطار والأرض من النبات. بالضغط على هذا الزر.. سيتم نسخ النص إلى الحافظة.. حيث يمكنك مشاركته من خلال استعمال الأمر ـ " لصق " ـ
، ففرح الهدهد و إطمئن قائلا: " إذا قد نجوت "، ثم جاء إلى مجلس سليمان وقال له: " لقد أطلعت على ما لم تطلع أنت وجودك عليه وجئتك بخبر يقين، حيث رأيت امرأة تقود جيشاً عظيماً بأرض ( مأرب) باليمن، وهذة المرأة تمتلك زينة الدنيا ومتاعها ولها عرش عظيم مرصع بالجواهر واللآلئ الغالية فى قصر عظيم، والملكة وجيشها وشعبها يسجدون للشمس من دون الله عز وجل. فقال سليمان: سوف ننظر فيما تقول وبنبين من صحته، ثم كتب سليمان رسالة إلى بلقيس ملكة سبأ يدعونا إلى الإيمان بالله عز وجل ووحدانيتة، وطلب من الهدهد أن يأخذ بالرسالة ويلقيها فى قصرها دون أن يشعر به أحداً، ثم ينظر ماذا ستفعل الملكة وقومها.. وعندما رأت الملكة بلقيس الرسالة جمعت حاشيتها فوراً وإستشارتهم فيما تفعل فى أمرها، وأخيراً قررت بلقيس أن ترسل إلى النبى سليمان هدية ثمينة، وعندما جاء المرسلون بالهدية رد لهم سليمان الهدية ودعاهم مرة أخرى إلى الإسلام، فما كان من الملكة بلقيس إلا أن أذعنت للنبى سليمان وأسلمت وقالت: " ربِّ إنّي ظلمتُ نفسي، وأسلمت مع سليمانَ لله رب العالمين ".
وثالثها: كيف خفي على سليمان عليه السلام حال مثل تلك الملكة العظيمة مع ما يقال إن الجن والإنس كانوا في طاعة سليمان ، وإنه عليه السلام كان ملك الدنيا بالكلية وكان تحت راية بلقيس على ما يقال اثنا عشر ألف ملك تحت راية كل واحد منهم مائة ألف ، ومع أنه يقال: إنه لم يكن بين سليمان وبين بلدة بلقيس حال طيران الهدهد إلا مسيرة ثلاثة أيام. ورابعها: من أين حصل للهدهد معرفة الله تعالى ووجوب السجود له وإنكار سجودهم للشمس وإضافته إلى الشيطان وتزيينه ؟ والجواب عن الأول: أن ذلك الاحتمال قائم في أول العقل ، وإنما يدفع ذلك بالإجماع ، وعن البواقي أن الإيمان بافتقار العالم إلى القادر المختار يزيل هذه الشكوك. البحث الثاني: قالت المعتزلة: قوله: ( يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم) يدل على أن فعل العبد من جهته لأنه تعالى أضاف ذلك إلى الشيطان بعد إضافته إليهم ولأنه أورده مورد الذم ولأنه بين أنهم لا يهتدون والجواب من وجوه: أحدها: أن هذا قول الهدهد فلا يكون حجة. وثانيها: أنه متروك الظاهر ، فإنه قال: ( فصدهم عن السبيل) وعندهم الشيطان ما صد الكافر عن السبيل إذ لو كان مصدودا ممنوعا لسقط عنه التكليف ، فلم يبق ههنا إلا التمسك بفصل المدح والذم والجواب: قد تقدم عنه مرارا فلا فائدة في الإعادة والله أعلم.
وأما قوله: ( ولها عرش عظيم) ففيه سؤال ، وهو أنه كيف استعظم الهدهد عرشها مع ما كان يرى من ملك سليمان ؟ وأيضا فكيف سوى بين عرش بلقيس وعرش الله تعالى في الوصف بالعظيم ؟ والجواب عن [ ص: 164] الأول: يجوز أن يستصغر حالها إلى حال سليمان فاستعظم لها ذلك العرش ، ويجوز أن لا يكون لسليمان مع جلالته مثله كما قد يتفق لبعض الأمراء شيء لا يكون مثله عند السلطان. وعن الثاني: أن وصف عرشها بالعظم تعظيم له بالإضافة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك ووصف عرش الله بالعظم تعظيم له بالنسبة إلى سائر ما خلق من السماوات والأرض ، واعلم أن ههنا بحثين: البحث الأول: أن الملاحدة طعنت في هذه القصة من وجوه: أحدها: أن هذه الآيات اشتملت على أن النملة والهدهد تكلما بكلام لا يصدر ذلك الكلام إلا من العقلاء وذلك يجر إلى السفسطة ، فإنا لو جوزنا ذلك لما أمنا في النملة التي نشاهدها في زماننا هذا ، أن تكون أعلم بالهندسة من إقليدس ، وبالنحو من سيبويه ، وكذا القول في القملة والصئبان ، ويجوز أن يكون فيهم الأنبياء والتكاليف والمعجزات ، ومعلوم أن من جوز ذلك كان إلى الجنون أقرب. وثانيها: أن سليمان عليه السلام كان بالشام فكيف طار الهدهد في تلك اللحظة اللطيفة من الشام إلى اليمن ثم رجع إليه ؟.