حجة أبي حنيفة رضي الله عنه من وجوه: الحجة الأولى: قوله صلى الله عليه وسلم: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه " الحديث دل على وجوب الكفارة على الحانث مطلقا من غير فصل بين المجد والهازل. الحجة الثانية: أن اليمين معنى لا يلحقه الفسخ، فلا يعتبر فيه القصد كالطلاق والعتاق، فهاتان الحجتان يوجبان الكفارة في قول الناس: لا والله، بلى والله، إذا حصل الحنث، ثم الذي يدل على أن اللغو لا يمكن تفسيره بما قال الشافعي، ويجب تفسيره بما قاله أبو حنيفة أن اليمين في اللغة عبارة عن القوة ، قال الشاعر: إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين أي بالقوة. والمقصود من اليمين تقوية جانب البر على جانب الحنث بسبب اليمين، وهذا إنما يفعل في الموضع الذي يكون قابلا للتقوية، وهذا إنما يكون إذا وقع اليمين على فعل في المستقبل، فأما إذا وقع اليمين على الماضي فذلك لا يقبل التقوية البتة، فعلى هذا اليمين على الماضي تكون خالية عن الفائدة المطلوبة منها، والخالي عن المطلوب يكون لغوا، فثبت أن اللغو هو اليمين على الماضي، وأما اليمين على المستقبل فهو قابل للتقوية، فلم تكن هذه اليمين خالية عن الغرض المطلوب منها ، فلا تكون لغوا.
ولا ينبغي للمسلم أن يجعلَ اليمين مانعاً للخير كصلة الرحم وإعانة الناس وعمل البر. قال الله تعالى { وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم ٌ}، قال الحافظ المفسر العلامة الشيخ عبد الله الهرري رحمات الله تعالى عليه في تفسير هذه الآية [أي لاتجعلوا أيمانكم مانعة للخير كأن يحلفَ الرجل أن لا يَصِلَ رحماً له ثم يقول أنا لا أزوره لأني حلفتُ يميناً فلا يجعل اليمين مانعاً للخير بل عليه أن يحنث ويكفرَ عن يمينه ويصلَ رَحمَهُ ويعمل الخير].
فإذا قال: والله لا أكلم فلانا، قاصدا بقلبه ثم كلمه، فعليه كفارة يمين أو قال: والله لا أزوره، ثم زاره فعليه كفارة يمين، بخلاف إذا مر على لسانه اليمين بغير قصد لم يتعمدها فليس عليه شيء. المصدر: مجموع فتاوى الشيخ ابن باز(24/197-199)