وإن كانت هذه أخلاقه صلى الله عليه وسلم مع آحاد المشركين فإنها لم تختلف كثيرًا مع الزعماء والأمراء والملوك الذين أرسل إليهم الكتب والوفود يدعوهم إلى الإسلام؛ فلقد حملت رسائله هذه عبارات الإشادة والتبجيل؛ فمن محمد بن عبد الله إلى "عظيم" فارس، وإلى "ملك" الروم إلى.. ، ما دعا أحدهم وهو المقوقس أن يكرم رسولَ رسولِ الله ويهدي إليه صلى الله عليه هدايا.. من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته وجهاده وما يجب نحوه - ملتقى الخطباء. نعم هذه الأخلاق التي تظهر جوهر الإسلام دونما حاجة لكثير من الخطب والكلام.. وصدق من قال: أخلاقه غزت القلوب بلطفها.. قبل استلال سيوفه ونباله مواقف مضحكة في حياة رسول الله: ومن لطائف حلمه صلى الله عليه وسلم ما صنعه مع النعيمان. فقد روي أن أعرابيًا دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم- وأناخ ناقته بفنائه، فقال بعض الصحابة لنعيمان: لو عقرتها فأكلناها، فإنا قد قرمنا إلى اللحم؟ ففعل، فخرج الأعرابي وصاح: واعقراه يا محمد!
[3] صفة العدل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم مثال للعدل، حيث قام بتطبيق الشرع على البعيد والقريب، ومن المواقف التي تدل على عدله، عندما حاول أسامة بن زيد رضي الله عنه أن يشفع عند النبي عليه الصلاة والسلام للمرأة المخزومية التي سرقت، فتغير وجهه وقال صلى الله عليه وسلم: {والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لو أنَّ فاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها}، بالإضافة إلى العديد من مثل تلك المواقف، والتي منها تحمله ما بين زوجاته من غيرة. صفة التواضع بالرغم من مكانة الرسول عليه الصلاة والسلام إلا أنه كان يبعد كل البعد عن التكبر، فهو كان يُخفض جناحه لأصحابه رضي الله عنهم ويكون تعامله معهم كواحد منهم، فإذا مر أحد غريب لم يميزه من بينهم إلا لو سأل عنه، وذات يوم ذهب رجل إليه وقال له: (يا محمَّدُ، يا سيِّدَنا وابنَ سيِّدِنا، وخيرَنا وابنَ خيرِنا)، فرد عليه النبي عليه الصلاة والسلام: {يا أيُّها النَّاسُ، عليكم بِتَقْواكم، لا يَستَهْويَنَّكمُ الشَّيطانُ، أنا محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ، عبدُ اللهِ ورسولُه، واللهِ ما أُحِبُّ أنْ تَرفعوني فوقَ مَنزلتي التي أنزَلَني اللهُ}. [4]
قال جابر رضي الله عنه: "ما سئل رسول صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال: لا". وعلق به الأعراب يسألونه أن يقسم بينهم في مرجعه من حنين فقال صلى الله عليه وسلم: " لو كان لي عدد هذه العضاة نعماً –يعني عدد هذه الأشجار إبلاً- لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذوباً ولا جباناً ". وكان صلى الله عليه وسلم يؤثر على نفسه فيعطي العطاء، ويمضي عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار. أهديت له صلى الله عليه وسلم شملة فلبسها وهو محتاج إليها، فسأله إياها رجل فأعطاه إياها، فلامه الناس فقالوا: كان محتاجاً إليها وقد علمت أنه لا يرد سائلاً. فقال: إنما سألتها لتكون كفني. وكان كرمه صلى الله عليه و سلم في محله، ينفق المال لله، وفي الله، إما لفقير أو في سبيل الله، أو تأليفاً على الإسلام، أو تشريعاً للأمة. وكان صلى الله عليه و سلم أشجع الناس وأمضاهم عزماً وإقداماً، كان الناس يفرون وهو ثابت. قال أنس رضي الله عنه: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق ناس قِبَلَ الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً قد سبقهم إلى الصوت، واستبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عري، والسيف في عنقه وهو يقول: لن تراعوا ".