وإن كلمة واحدة كفيلة بتغيير مجرى حياة الأمم والمجتمعات من الشر إلى الخير، ومِن الذِّلة إلى العزة، ومن السفول إلى الرقي والنهضة، ومن المعصية إلى الطاعة. توحِّد الصف وتجمَع الشَّملَ، وتنفي الحقدَ، وتُصلح ذات البين، تُميت البدعة وتُحيي السُّنة، وتنشُر الدعوة، وتُنمي الموهبة، تَسمو لآفاق بعيدة، وترمي لمقاصد رشيدة، إنها راحة القلب وواحة للنفس، وحياة للروح، إنها كلمةُ حقٍّ راسخةٌ رسوخَ الجبال، لا تُزعزعها أعاصيرُ الباطل مهما عصَفت، ولا تُحطِّمها معاولُ الطغيان مهما اجتهَدت، تَجتثُّ الباطل من جذوره، فلا قرار له ولا بقاء معها، وتقتلع الشرَّ مِن أعماقه، فإذا هو زاهقٌ أمامها، وتَنزل على الأمراض النفسية المستعصية بردًا وسلامًا، فتكون بلسمًا وشفاءً لها، إن الكلمة الطيبة لا تكلف مالًا، ولا تحمل جهدًا، كما أنها لا تُشترى بملء الأرض ذهبًا. جرِّب أن تستبدلَ بكلمات النقد والتجريح كلمةَ نُصحٍ حانية تريح، وبكلمة التصريح كلمات التلميح، وبعبارات اللوم ألفاظَ المديح، بعيدًا عن الفحش والبذاء، والضَّرر والإيذاء: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83]، امتثالًا لتعاليم ديننا، وطاعة لبارينا، فهو وحدَه موفِّقُنا وهادينا.
وعن مجاهد أنه قال تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات. وقال حبيب بن أبي ثابت: وهو احتكار الطعام بمكة. معنى آية: وهدوا إلى الطيب من القول، بالشرح التفصيلي - سطور. وقال عبد الله بن مسعود في قوله ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) قال لو أن رجلا هم بخطيئة لم تكتب عليه ما لم يعملها ولو أن رجلا هم بقتل رجل بمكة وهو بعدن [ ص: 378] أبين أو ببلد آخر أذاقه الله من عذاب أليم. وقال السدي: إلا أن يتوب وروي عن عبد الله بن عمر أنه كان له فسطاطان أحدهما في الحل والآخر في الحرم فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الآخر فسئل عن ذلك فقال كنا نحدث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل كلا والله وبلى والله.
عباس: "شهادة أن لا إله إلا الله" وقول ابن زيد: "لا إله إلا الله والله أكبر". الحمد لله سبحان الله. " قال السدي: أي القرآن. وقيل: هو قول أهل الجنة: {وقالوا الحمد لله الذي وعده بأفعاله. قال ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: حدوا لخير القول} ، أن هذه الآية على حد قول الله تعالى: ويدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، إلى جنات تجري فيها الأنهار. بإذن من ربهم سلامهم فيها ، وقول الله تعالى: {وتدخل عليهم الملائكة من كل باب ، وعليكم السلام على ما صبرتم عليه. وهذا على عكس ما يحصل عليه أهل النار من إهانتهم وترويعهم وتوبيخهم. وأما المراد بالطريق الحمد: فهو المكان الذي يسبحون فيه الله على لطفه عليهم وعلى النعم التي أسبغها عليهم. وقيل: حسن القول هو القرآن ، وقيل: لا إله إلا الله. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الحج - الآية 24. وقيل: الأذكار الشرعية ، وقيل: الصراط الثمين الصراط المستقيم في الدنيا. وهذه الآية الكريمة ترشدنا إلى أن حسن الكلام هو نعمة وهدى من الله تعالى ولا يصدر إلا عن عباد الله المخلصين. كما ينبغي للمسلم أن يعرف كيف يختار أقواله ويوظف عباراته في الخير ، لا سيما في الأمر بالمعروف ، فيختار أحسن الكلام وأطهره ، وفي النهي عن المنكر يبتعد عن الكلام الفاحش.
قال تعالى: ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ) البقرة: 83. قال القرطبي في تفسيره ( ۱۹/۲): ( فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينا ووجه منبسطا طلقا، مع البر والفاجر، والسني والمبتدع من غير مداهنة ، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضى عن مذهبه، لأن الله تعالى قال لموسى وهارون: (فَقُولَا لَهُۥ قَوْلًا) طه:44. فالقائل ليس بأفضل من موسي وهارون ، والفاجر ليس أخبث من فرعون، وقد أمرهما الله باللين معه، وقال طلحة بن عمر: قلت لعطاء: إنك رجل يجتمع عندك ذوو أهواء مختلفة، وأنا رجل في حدة ، فأقول لهم بعض القول الغليظ، فقال: لا تفعل، يقول الله تعالى: (.. وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا.. ) البقرة: ۸۳ ، فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى، فكيف بالحنيفي. وقد أمر الله تعالى خاتم أنبيائه ﷺ أن يجدد ويؤكد الدعوة والوصية بالتزام حسن الخطاب: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) الإسراء: ۵۳.
( وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد ( 24) إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ( 25)) قوله عز وجل: ( وهدوا إلى الطيب من القول) قال ابن عباس: هو شهادة أن لا إله إلا الله. وقال ابن زيد: لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله. وقال السدي: أي القرآن. وقيل هو قول أهل الجنة: الحمد لله الذي صدقنا وعده ( الزمر: 74 ( وهدوا إلى صراط الحميد) إلى دين الله وهو الإسلام " والحميد " هو الله المحمود في أفعاله قوله عز وجل: ( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله) عطف المستقبل على الماضي لأن المراد من لفظ المستقبل الماضي كما قال تعالى في موضع آخر ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) ( النساء 167) ، معناه إن الذين كفروا فيما تقدم ويصدون عن سبيل الله في الحال أي وهم يصدون. ( والمسجد الحرام) أي ويصدون عن المسجد الحرام. ( الذي جعلناه للناس) قبلة لصلاتهم ومنسكا ومتعبدا كما قال ( وضع للناس) ( آل عمران 96). ( سواء) قرأ حفص عن عاصم ويعقوب: " سواء " نصبا بإيقاع الجعل عليه لأن الجعل يتعدى إلى مفعولين وقيل معناه مستويا فيه ، ( العاكف فيه والباد) وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء وما بعده خبر وتمام الكلام عند قوله " للناس " وأراد بالعاكف المقيم فيه ، وبالبادي الطارئ المنتاب إليه من غيره واختلفوا في معنى الآية فقال قوم " سواء العاكف فيه والباد " أي في تعظيم حرمته وقضاء النسك فيه وإليه ذهب مجاهد والحسن وجماعة ، وقالوا المراد منه نفس المسجد الحرام.