ومنشأ نزول هذه الآية انَّ عدداً من الصحابة لم يصبروا وفيهم عمر بن الخطاب عاشر زوجته بعد حلول وقت فرض الصيام ليلاً، ومن جهة اخرى فإنَّ أحد الصحابة لم يتهيأ له تناول الطعام قبل النوم حيثُ ذهبت زوجتُه لمعالجة الطعام فنام قبل إحضاره فالتزم بالامساك عن الطعام، وكان فيمن يحفرُ الخندق صباحاً مع المسلمين فأصابته مشقَّةٌ لشدة الجوع والظمأ الذي انتابه نتيجة عدم تناوله المُفطِر ليلاً فكان يُغشى عليه، فلهذا وذاك نزلت الآية المباركة لتنسخ الحكم بوجوب الصوم بعد العشاء الآخرة وتفرضُه من حين طلوع الفجر. فمنشأ النزول انَّ عدداً كانوا يختانون أنفسهم فيعاشروا زوجاتِهم في ليالى الصيام وانَّ أخرين كان يفوتهم الإفطار قبل العشاء أو قبل النوم فيشقُّ عليهم الصبر إلى غروب اليوم الثاني. اعراب سورة البقرة الأية 187. وما ذكرناه في سبب نزول قوله ﴿عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ قد ذكره أكثر مفسري العامَّة فقد رُوي -ذلك كما أفاد العيني في عمدة القاري- عن مجاهد وعطاء وعكرمة والسدي وقتادة وغيرهم في سبب نزول هذه الآية في عمر بن الخطاب"(3). وفي جامع البيان للطبرى بسنده عن مجاهد في قوله تعالى ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلى نِسَآئِكُمْ﴾ قال: كان الرجل من أصحاب محمد (ص) يصوم الصيام بالنهار، فإذا أمسى أكل وشرب وجامع، فإذا رقد حرم ذلك كلُّه عليه إلى مثلها من القابلة، وكان منهم رجالٌ يختانون أنفسهم وكان عمر بن الخطاب ممن اختان نفسه فعفا الله عنهم، وأحلَّ لهم بعد الرقاد وقبله في الليل كلِّه"(4).
وقد جاء في السيرة النبوية الشريفة أنَّ النبيّ(ص) كان يتحدّث عن الجماع بالكلمات الأكثر وضوحاً عندما تمسّ الحاجة، ما يوحي أنَّ مسألة الاستقباح تابعة للعرف الحضاري الذي يختلف بين مرحلةٍ وأخرى، فإنَّ الفحش في المعنى لا في الكلمة. ] لِبَاسٌ [: الثياب التي من شأنها أن تستر الأبدان. ولعلّ هذا التعبير ينطلق من استعارة لطيفة، فإنَّ كلاً من الزوجين يمنع صاحبه من اتباع الفجور، فكأنَّ كلاً منهما لباس لصاحبه بحيث يواري به سوأته، ومنه جعل التقوى لباساً باعتبار أنه يمنع الإنسان من إظهار عيوبه بإبعادها عن حياته. وقد يكون للتعبير وجهٌ آخر. ] تَخْتانُونَ [: تخونون عن قصد واختيار. قال الزمخشري: والاختيان من الخيانة، كالاكتساب من الكسب، فيه زيادة وشدّة»[2]. أمّا الراغب فيقول في مفرداته: «والاختيان: مراودة الخيانة، ولم يقل: تخونون أنفسكم، لأنه لم تكن منهم الخيانة، بل كان منهم الاختيان. فإنَّ الاختيان تحرُّك شهوة الإنسان لتحرِّي الخيانة»[3]. ] الْخَيْطُ الأَبْيَضُ [: بياض النهار، وأصل الخيط هو الخطّ الممتد المستقيم. علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم. ] الْخَيْطِ الأَسْوَدِ [: سواد الليل. ] تُبَاشِرُوهُنَّ [: المباشرة الإفضاء بالبشرتين من خلال إلصاق البشرة ـ وهي ظاهر الجلد ـ بالبشرة.
صورة موضوعية «آيات ومعاني» | ما تفسير «تختانون أنفسكم»؟ إسراء كارم السبت، 12 ديسمبر 2020 - 12:14 م يصعب على الكثيرين فهم كل معاني القرآن الكريم، وهو ما يحتاج إلى اللجوء إلى متخصصين لإيضاح التفاسير والمعاني. وورد إلى دار الإفتاء المصرية ، سؤال عبر الموقع الإلكتروني، نصه: «ما هو معنى قوله: ﴿تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: 187]؟».
و الحاصل: أن قوله تعالى: هن لباس لكم و أنتم لباس لهن، و إن كان علة أو حكمة لإحلال أصل الرفث إلا أن الغرض في الآية ليس متوجها إليه بل الغرض فيها بيان حكمة جواز الرفث ليلة الصيام و هو مجموع قوله: هن لباس لكم إلى قوله: و عفا عنكم، و هذه الحكمة مقصورة على الحكم الناسخ و لا يعم المنسوخ قطعا.