[٢] مراحل قيام الدولة الإسلامية في عهد الرسول على الرغم من أنّ قيام الدولة المسلمة التي أسّسها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لم يكن ليتمّ لولا العناية الربانيّة والتوفيق الإلهيّ، إلّا أنّ ثمّة أسباباً دنيويّةً، ومراحل للبناء مرّ خلالها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه -رضي الله عنهم- إلى أن أقاموا دولةً قويّةً، لم يسجل التاريخ لمجدها وعزّها مثيلاً، وفيما يأتي بيانٌ لمراحل قيام الدولة في عهد النبيّ عليه الصّلاة والسّلام.
ثم يقال أيضًا: إن حاصل القول في مسألة ترتيب آيات القرآن وسوره، أن ترتيب آياته كان بتوقيف منه صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للصحابة فيه مدخل لا من قريب ولا من بعيد؛ إذ كان جبريل عليه السلام ينـزل عليه بالوحي، ويأمره بوضع آية كذا في موضع كذا، وهذا مما لا خلاف فيه. أما ترتيب سوره فالذي استقر عليه رأي أهل العلم المعتبرين أنه صلى الله عليه وسلم فوَّض ذلك إلى صحابته من بعده، ولما كان الصحابة رضي الله عنهم قد أَلْفَوا القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم وقت حياته، فدوَّنوه على وفق ذلك السماع، دون خلاف بينهم، واستقر الأمر على ذلك؛ على أن هناك من العلماء من ذهب إلى أن ترتيب السور أيضًا كان بتوقيف منه صلى الله عليه وسلم. فحاصل الرد على هذه الشبهة، أن القرآن الكريم لم يُجمع جمعًا كاملاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لاعتبارات معينة، أتينا على ذكرها في أثناء هذا المقال، وقد بينا أن القرآن وإن لم يجمع في عهد النبي صلى الله عليه جمعًا كاملاً في السطور، بيد أن أكثره كان مكتوبًا في الرقاع، وعلى أوراق الشجر، والأحجار، ونحو ذلك من الوسائل التي كانت تستعمل في الكتابة، فضلاً عن حفظه في الصدور، وهو الأمر المعول عليه قبل كل شيء، وبما تقدم يظهر بطلان هذه الشبهة من أساسها.
كما كان لرسول صلى الله عليه وسلم كتابًا للوحي، يكتبون على ما يتيسر لهم من عظام وسعف وحجر رقيق ونحوه ومن أشهرهم: الخلفاء الأربعة، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان، وأخوه يزيد، وغيرهم... وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدلهم على موضع كل آية من سورتها، وعلى موضع كل سورة من القرآن؛ وهذا ما يعبر عنه أهل العلم بقولهم: إن ترتيب الآيات والسور توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم، لا دخل لاجتهاد الصحابة فيه، فأما ترتيب الآيات، فلا خلاف بين أهل العلم في أنه توقيفي. وأما ترتيب السور فقيل: إنه توقيفي: بل هو باجتهاد الصحابة، وقيل: بعضه توقيفي، وبعضه اجتهادي. والصحيح: الأول. هذا، وقد كان من الصحابة رضي الله عنهم من جمع القرآن كله حفظًا عن ظهر قلب، منهم: عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وغيرهم... [1] الإتقان في علوم القرآن، لعبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، ج 1/ ص8. [2] المصدر السابق. [3] سورة الحجر: الآية 8. [4] سورة الفرقان: 32. [5] تفسير السعدي ص 582. [6] سورة الإسراء: 106. [7] تفسير السعدي ص 468. [8] سورة النور: 11. [9] سورة البقرة: 185. [10] سورة القدر: 1. [11] رواه النسائي في "السنن الكبرى" (6/ 519)، والأثر له ألفاظ متقاربة، ومخارج متعددة، ولذلك صححه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/4) وغيره.