والطائفة الثاني: وهم القعدة الذين استمرؤوا الكسل والبطالة والتشرد، دون مال يملكونه، أو عمل يعملونه، لا ينفعون أنفسهم ولا ينتفع بهم المجتمع، فهؤلاء يكسلون ولا يربحون ثم يتسولون أو يحتالون باسم التكسب أو العيش. ليسواعلى سواء الطريق أيضًا. وخير الأمور الوسط، والوسط ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم المال الصالح للرجل الصالح ". كما نرى أن بعض الناس يسب المال، أو يسب الفلوس والنقود، وهذا خطأ، ولكن الأصل أن من تملك شيئايجب أن يشكر الله تعالى ويؤدي حقه. خطبة الجمعة: نعم المال الصالح للرجل الصالح – شبكة أهل السنة والجماعة. وبعض الناس لا يتمتع بماله، ولا تُـرى عليه أثر نعم الله، وهذا كرهه النبي صلى الله عليهوسلم، فعن مالك بن نَضْلَة رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِصلى الله عليه وسلم، فَرَآنِي رَثَّ الثِّيَابِ [11] ، فَقَالَ:" أَلَكَ مَالٌ؟! " قُلْتُ: "نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ! مِنْ كُلِّالْمَالِ؛ قَدْ أَعْطَانِيَ اللهُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، وَالْخَيْلِ، وَالرَّقِيقِ"،قَالَ: " إِذَا آتَاكَ اللهُ مَالًا فَلْيُرَ عَلَيْكَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللهِ وَكَرَامَتِهِ "، " فَإِنَّ اللهَ عز وجل يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَهُ عَلَى عَبْدِهِ حَسَنًا، وَلَا يُحِبُّ الْبُؤْسَ وَالتَّبَاؤُسَ " [12].
وكان أبو بكر رضي الله عنه مثالا في البذل والعطاء في طاعة الله تعالى إذ صرف ثروته كلها في سبيل الله عز وجل رغبة في الآخرة ونصرة للدين ولرسول الله صلى الله عليه وسلم وإعانة ضعفاء المسلمين حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر" فبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال: "هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله" اهـ.
فالحذر الحذر من المال الحرام, فإنه لا بركة فيه ولا نفع, ومن المال الحرام الذي تساهل بعض الناس فيه: الربا, فعن أبي هريرة رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليأتين على الناس زمان لا يبقي أحد منهم إلا آكل الربا, فمن لم يأكل أصابه من غباره » [أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه] قال الإمام السندي المتوفي سنة ( 1138هـ) في تعليقه على سنن ابن ماجه: قوله ( إلا آكل الربا): هو زماننا هذا فإنا لله وإليه راجعون. فينبغي أن يجاهد الإنسان نفسه ويجتنب الربا تحت أي مسمى, وبأي ذريعة, يعينه بعد توفيق الله له: خوفه من العذاب والعقاب, قال الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة_278-279. ] قال العلامة العثيمين رحمه الله: الربا ليس بالأمر الهين والمؤمن ترتعد فرائضه إذا سمع مثل هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا, ورؤيا الأنبياء حق, رأى أن متعاطي الرجل في البرزخ يسبح في نهر من دم, قال علية الصلاة والسلام: ( قالا: انطلق, فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم, فيه رجل قائم, وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة, فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه, فرده حيث كان, فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر, فيرجع كما كان) ثم أنه علية الصلاة والسلام سأل الملكين عنه, فقالا له: والذي رأيته في النهر أكلوا الربا.
خــاتـمــة: لقد نظر الإسلام إلى المكلف نظَــرَ اعتبار، حيث دعاه إلى العمل المباح بكل أنواعه، إمامأجورًا، أو حرًّا مستقلاً، أو مشاركًا في المال إن استطاع، فإذا صاحَـب ذلك كلَّه، صِدقٌ وأمانة، وإخلاص وتوكل، كان له الربح والفوز والبركة والنماء بإذن الله. قال ابن الجوزي بعد أن سرد مجموعة من الآيات والأحاديث في فضل المال وشرفه: (هذه الأحاديث مخرجة في الصحاح وهي على خلاف ما تعتقده المتصوفة من أن إكثار المال حجاب وعقوبة وأن حبسهينافي التوكل، ولا ينكر أنه يخاف من فتنته. وأما من قصد جمعه والاستكثار منه من الحلالنظر في مقصوده، فإن قصد نفس المفاخرة والمباهاة فبئس المقصود، وإن قصد إعفاف نفسه وعائلتهوادخر لحوادث زمانه وزمانهم وقصد التوسعة على الإخوان وإغناء الفقراء وفعل المصالحأثيب على قصده، وكان جمعه بهذه النية أفضل من كثير من الطاعات) [13]. فاسأل نفسك أخي المسلم قبل أن تسأل وحاسب نفسك قبل أن تحاسب. اسأل نفسك قبل أن تأخذ المال وقبلأن تنفقه من أين تكتسبه وفيم تنفقه فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيم أفناه وعن علمه ماذا عمل به وعنماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسده فيم أبلاه) [14].