مسجد إثراء.. الزُمرّدة المُغلّفة بالغيم عند دخولك من البوابة الرئيسية لمركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، ستشاهد ذلك المبنى ذا المساحة الأصغر والتصميم الناصع بياضًا من الخارج، والذي سيجعلك تقفُ حائرًا على مفترق طرق في الحكم الذي ستطلقه على هذا المكان، فهو يبدو مختلفًا في التصميم عن هذه التحفة المعمارية الكبيرة المتمثلة في مبنى إثراء، لكنه متناغم معها ، كما أنك لن تجد كبيرَ عناء في تحديد هوية المبنى حتى وأنت تنظر إليه من بعيد؛ فسيتّضح لك أنه مسجد استوحيَ شكله الخارجي من شعائر الحج. من الخارج يجذبك الشكل البسيط الهادئ المريح للعين، هذه البساطة التي يقابلك بها التصميم الخارجي للمسجد، هي ذاتها التي ستقف كثيرًا أمام روعة دلالاتها وعبقريتها لو تأملتها جيدًا، وما تخبئه من سحر ورسائل ورموز دالة في عمق المعنى، فالمملكة محجّ المسلمين، وإليها تهوى أفئدتهم وأرواحهم وأجسادهم على اختلاف ثقافاتهم وألسنتهم وألوانهم ومواقعهم الجغرافية، لذلك أراد بُناة المسجد أن تكون شعيرة الحج هي الأساس الذي يُستنبَطُ منه شكل المسجد الخارجي؛ الفكرة في التصميم الخارجي تنطلق من مسارات الحجيج المزدوجة، والتي كانت في الأصل مسارًا واحدًا قبل أن ينقسم إلى مسارين، واحد يمضي فيه الرجال وآخرٌ تعبره النساء.
وأضاف في ندوة أقيمت مؤخرًا، حضرتها «الشرق الأوسط»: «الأفكار الأولى لهذا المشروع مرت بمراحل من التعديل والنضج، فقد برزت أولاً فكرة إقامة مكتبة عامة، أو متحف إقليمي، في المنطقة الشرقية يرمز للحضارة والتراث المحلي، لكن أخيرًا وقع الاختيار على إقامة مركز معرفي متكامل يمثل رسالة الشركة والمملكة في تشييد اقتصاد قائم على المعرفة ويخاطب شرائح المجتمع كافة مع التركيز على أجيال المستقبل». وقال: «كنا في الطريق بالسيارة إلى راس تنورة، حين لمعت الفكرة، ثم بعد مناقشات مستفيضة جرى إقرارها. وصمم المركز ليخدم هذه الغاية التي صيغت هندسيًا ووظيفيًا لدعم التحول إلى مجتمع المعرفة عبر التحفيز على القراءة والاستكشاف، والتشجيع على الإبداع، وتنمية الحس الفني، وتعزيز روح العمل التطوعي والجماعي، ونشر ثقافة التواصل والتفاهم المتبادل بين الشعوب والحضارات». وحتى قبل افتتاح المركز وعلى مدى سنوات واصل تقديم برامجه الثقافية العالمية وبرامج الإثراء المعرفي، ومن برامجه: «أتألق» و«أكتشف» ومسابقة القراءة الوطنية «أقرأ»، وجائزة «إثراء» للإعلام الجديد، وملتقى «إثراء» الشباب، ومن البرامج الأخرى التي حازت إعجاب كبير من الجمهور «فاب لاب» الظهران، وبرنامج «إثراء» للعروض الأدائية والمسرحية، والبرنامج ذائع الصيت «إثراء المعرفة».
ترمز الصخور التي تسند بعضها بعضًا، والتي صممت لتشكل الطراز المعماري الفريد للمبنى، إلى تعاضد الطاقة والمعرفة، ويجمع «إثراء» بين التصميم المعماري ذي الدلالات الرمزية القوية والتقنية الحديثة، كما يجمع بين أساليب التعليم الفريدة والبرامج الإثرائية، وهو منصة ملهمة للمستكشفين والمتعلمين والمبدعين والقادة. ومن منطلق كونه مركزًا حيويًا للمعرفة والابتكار والتفاعل عبر الثقافات سيساعد على التحول إلى اقتصاد قائم على المعرفة. وقد صمم المركز من قبل شركة «سنوهيتا»، وهي شركة معمارية نرويجية عالمية شهيرة، حصلت على مقاولة التصميم بعد فوزها بها من خلال مسابقة دولية شاركت فيها كبريات شركات التصميم السعودية والعالمية. جدير بالذكر أن «سنوهيتا» صممت صروحا ثقافية مميزة كمكتبة الإسكندرية في مصر ودار الأوبرا في أوسلو بالنرويج. قصة هذا المركز الذي وضع لبنته الأولى، الملك عبد الله بن عبد العزيز (2008) وقدمته «أرامكو السعودية» بمناسبة عيدها الـ75، ليصبح واحدا من أكبر المراكز الحضارية الثقافية في السعودية ومعلما بارزًا يخدم احتياجات المجتمع المعرفية والثقافية والإبداعية، رواها رئيس «أرامكو السعودية» السابق عبد الله صالح جمعة، حيث قال: «أرادت (أرامكو السعودية) بمناسبة احتفالها بمرور 75 عامًا على إنشائها، أن تقدم هدية للمجتمع يتكامل عبر برنامج للشراكات المعرفية والثقافية مع مؤسسات وطنية ودولية رائدة تساعد على بناء جسور التواصل بين السعودية والعالم بما يعزز أهداف التنمية الإنسانية في المملكة».