رجل ظلمه التاريخ.. «آخر ملوك الأندلس» لم يكن خائنًا كما يتصور الكثيرون - YouTube
عادت الأصوات المطالبة بالتسليم، والتي وقف ضدها بكل قوته موسى بن أبي غسان والأميرة عائشة الحرة، وفي هذا الوقت كان لا بد لأبي عبدالله أن يتخذ القرار الأصعب، حيث كان الاستمرار في الدفاع عن المدينة ضرباً من التهور، وبلا جدوى. فاختار أن يضحي بسمعته، من أجل انقاذ شعبه من مذبحة محتملة، ومن الجوع والمرض الذي فتك بهم. وبعد حصار دام سبعة أشهر، وفي الثاني من كانون الثاني عام 1492، دخل الإسبان إلى غرناطة، وتم توقيع معاهدة تسليم في قصر الحمراء المكونة من ستين بنداً، تنص على تسليم المدينة وتسريح الجيش ومصادرة السلاح، مقابل الحفاظ على أرواح وأموال المسلمين. إلا أن محاكم التفتيش تشهد على من خان المعاهدة وخان غرناطة، ولم يكن أبا عبدالله الصغير بكل تأكيد. من هو آخر ملوك الأندلس , معلومات عن الملك أبو عبد الله محمد الثانى عشر. لم يكن تسليم مفاتيح غرناطة سهلاً على أميرها وأهلها، فقد تعالت أصوات البكاء والعويل، عند استلامها من قبل الملكين الكاثوليكيين. أما موسى بن أبي غسان فقد تضاربت الروايات حول نهايته، منها من يقول انه بعد أن رأى تسليم مفاتيح غرناطة، ذهب لمنزله فارتدى ملابس الحرب، وامتطى جواده ولم يره أحد بعد ذلك، وهناك رواية تقول بأنه بعد أن امتطى جواده، واجه سرية جنود إسبان، قاتلها وحيداً حتى قتل.
تمر اليوم ذكرى توقيع اتفاقية بين الملك أبو عبد الله محمد الثانى عشر، آخر ملوك المسلمين فى الأندلس، وبين ملك القشتاليين، باع له الأول بمقتضاها كل أملاكه فى الأندلس ثم غادرها، وذلك فى 7 أغسطس 1493م. أبو عبد الله الثانى عشر هو آخر ملوك الأندلس المسلمين فى الأندلس، سماه الإسبان (أى الصغير) و(أبو عبديل)، بينما سماه أهل غرناطة الزغابى (أى المشؤوم أو التعيس)، وهو ابن أبى الحسن على بن سعد، الذى خلعه من الحكم وطرده من البلاد عام 1482، وذلك لرفض الوالد دفع الجزية لـفرناندو الثانى ملك أراغون كما كان يفعل ملوك غرناطة السابقون. وعلى عكس الرواية المتداولة، والتى تُصور أبا عبد الله الصغير كملك جبان لم يدافع عن عاصمة ملكه وسلم مفاتيحها للقشتاليين، فإن المؤرخ والباحث فى التاريخ الإسلامى، حمزة الكتانى يؤكد أن الذى يتتبع تاريخ أبى عبدالله الصغير لا يمكن أن يصفه لا بالخيانة ولا بالتهاون، فقد كان يواجه عمه الثائر على حكمه، المعروف بالزغل، كما كان يواجه القشتاليين فى الوقت نفسه، قبل أن يسلم عمه ملجا للإسبان، بينما ظل هو يقاوم إلى أن تيقن أن الاستمرار فى المقاومة أصبح ضرباً من الانتحار، واضطر أن يناور، غير أنه قوبل بغدر من القشتاليين.
الأمير ذو الحظ العاثر لم يكن الظرف الذي ولد فيه أبو عبدالله الصغير مواتيا لا على مستوى الوضع العام للدولة التي دب فيها الوهن، ولا داخل أسرته التي كانت تعيش على وقع دسائس ومؤمرات طمعا في الحكم. ففي القرن الخامس عشر بلغ الخطر على الأندلس ذروته، وضاعت أكثر من إمارة نتيجة الحملة الصليبية التي انطلقت قبل أربعة قرون، أو كما يسميها القشتاليون "حرب الاستعادة". تقول صحيفة تايمز البريطانية إنه عندما ولد أبو عبدالله في قصر الحمراء سنة 1459، كانت الحملة الصليبية بلغت مرحلتها النهائية واستعادت تقريبا كل المناطق التي كانت تسعى خلفها، ولم يبق سوى إمارة غرناطة التي كانت تعيش عزلة وحصارا وتهديدا أمنيا كبيرا وانعداما للاستقرار بسبب الصراع بين الأسر على كرسي الإمارة. في هذه الظروف ولد الأمير أبو عبدالله، أي أنه لم يكن مسؤولا عن ضياع الأندلس، وإنما جاء لهذه الدنيا وقد ضاع الجزء الأكبر منها. أما على مستوى عائلته فقد رأى النور في جو من العنف والمؤامرات والتطاحن رغبة في المُلك، بل إن منجمي البلاط في قصر الحمراء أطلقوا على أبي عبدالله لقب الزغبي؛ أي أنه سيجلب الشؤم لأهله. وكمثال على البيئة الدموية التي ترعرع فيها الأمير، فهو أنه كان شاهدا وهو طفل في الخامسة من عمره على مذبحة بني سِرّاج التي تقول الروايات التاريخية إن جده هو المسؤول عنها، وتذهب روايات أخرى إلى أن والد أبي عبدالله هو من نفذها.