إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: فروى البخاري في صحيحه [6416] من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ»، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ». «هذا الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا، وأن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطنًا ومسكنًا، فيطمئن فيها، ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر يهيئ جهازه للرحيل، وقد اتفقت على ذلك وصايا الأنبياء وأتباعهم، قال تعالى: ﴿ يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ﴾ [غافر: 39]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رَاكِبٍ قَالَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» [1].
[٣] شرح قول ابن عمر رضي الله عنه حيث قال ابن عمر -رضي الله عنه-: (إذَا أمْسَيْتَ فلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وإذَا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وخُذْ مِن صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، ومِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ). [١] أي إنّ لكل وقت عمله، فلا تؤجل أعمال الليلة إلى صباح الغد، ولا أعمال صباح اليوم إلى مسائه، فتتراكم عليك الواجبات، ومنها ما يحرم تأخير وإن شرع قضاؤه، وقد تأتي بمعنى أن الموت أو الساعة قد تأتي فجأة؛ فأدِّ ما عليك أولا بأول. [٤] ولا يشترط في تفويت الأعمال الموت فقط، وإنما قد تذهب صحتك التي تتمتع بها اليوم، وتتقوى بها على أعمالك، وتهيئة زادك، فيباغتك المرض، أو العجز، أو الهرم، فتفوت عملك الذي أجلته يوم كنت صحيحاً معافى، وكذا فلتعمل في حياتك ما تخشى انقطاعه بعد موتك، فليس بعد الموت إلا انقطاع العمل. [٤] مما يرشد إليه الحديث في الحديث الشريف حكم وعبر، ومواعظ نفائس ودرر، نذكر منها: [٥] لمس المعلم شيئاً من جسد المتعلم فيه تأنيس وتنبيه. هذه الدنيا غريبة. النصيحة تعطى وإن لم يطلبها المنصوح. الاستعاضة بمخاطبة الواحد عوضا عن الجمع، مع قصد كليهما. التنبيه إلى عدم الانغماس في الدنيا، والانشغال بها عن الآخرة.