وأما جسم الأرض الذي هو في غاية الكبر والسعة ، فيكون كرويًا مسطحًا، ولا يتنافى الأمران، كما يعرف ذلك أرباب الخبرة. ﴿ تفسير البغوي ﴾ "وإلى الأرض كيف سطحت"، بسطت، قال عطاء عن ابن عباس: هل يقدر أحد أن يخلق مثل الإبل، أو يرفع مثل السماء، أو ينصب مثل الجبال، أو يسطح مثل الأرض غيري؟. ﴿ تفسير الوسيط ﴾ ( وَإِلَى الأرض كَيْفَ سُطِحَتْ) أى: كيف وسويت وفرشت وبسطت بطريقة تجعل الناس يتمكنون من الانتفاع بخيرها ، ومن الاستقرار عليها ، وهذا لا ينافى كونها كروية ، لأن الكرة إذا اشتد عظمها.. كانت القطعة منها كالسطح فى إمكان الانتفاع بها. ﴿ تفسير ابن كثير ﴾ ( وإلى الأرض كيف سطحت) ؟ أي: كيف بسطت ومدت ومهدت ، فنبه البدوي على الاستدلال بما يشاهده من بعيره الذي هو راكب عليه ، والسماء التي فوق رأسه ، والجبل الذي تجاهه ، والأرض التي تحته - على قدرة خالق ذلك وصانعه ، وأنه الرب العظيم الخالق المتصرف المالك ، وأنه الإله الذي لا يستحق العبادة سواه. إسلام ويب - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الفجر. وهكذا أقسم " ضمام " في سؤاله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما رواه الإمام أحمد حيث قال:حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس قال: كنا نهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء ، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع ، فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد ، إنه أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك.
يكاد المرء، في هذا العصر وفي بدايات القرن الواحد والعشرين، يستغرب هذه المفارقة الواقعة بين (اللغة) و(الفلك)! فلقد أصبحت كروية الأرض (بدهية) ليس بها حاجة إلى برهان تجريبي (مختبر) لأنها (مصورة) من الفضاء بمائها ويابسها، بغاباتها ومدنها على شكل (كرة) يراها المشاهد في كل يوم من على الشاشة الصغيرة تقريباً! تفسير قوله تعالى وإلى الأرض كيف سطحت ومسألة كروية الأرض للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله - YouTube. إلا أن التقيد بمضمون الفعل المبنى للمجهول، وفاعله الله سبحانه، (سطحت)، مجرداً من قوله «ينظرون إلى» الوارد في أول الآية يبعد المفسرين عن التفقه بالكلمة واستخلاص مدلولها الصحيح تماماً، لأن اللغة الفصحى تقول في معجم العين للخليل الفراهيدي: نظر إليه ينظر نظراً ويجوز التخفيف في المصدر تحمله على لفظ العامة في المصادر، وتقول نظرت إلى كذا وكذا من نظر العين ونظر القلب. وقوله تعالى: (ولا ينظر إليهم يوم القيامة) أي لا يرحمهم. وقد تقول العرب نظرت لك أي عطفت عليك بما عندي وقال الله عز وجل: «لا ينظر إليهم» ولم يقل لا ينظر لهم فيكون بمعنى التعطف. ورجل نظور، لا يغفلُ عن النظر إلى ما أهمه، ثم (نظره ونظر إليه: أبصره وتأمله بعينه) و(نظر في الأمر «تدبر وفكر فيه ويقدره ويقيسه) في المنجد، و(النظر والنظَرَانُ بفتحتين تأمل الشيء بالعين.
وَهَذَا لَا يَتَنَافَى مَعَ حَقِيقَةِ شَكْلِهَا; فَقَدْ نَرَى الْجَبَلَ الشَّاهِقَ، وَإِذَا تَسَلَّقْنَاهُ وَوَصَلْنَا قِمَّتَهُ وَجَدْنَا سَطْحًا مُسْتَوِيًا ، وَوَجَدْنَا أُمَّةً بِكَامِلِ لَوَازِمِهَا، وَقَدْ لَا يَعْلَمُ بَعْضُ مَنْ فِيهِ عَنْ بَقِيَّةِ الْعَالَمِ ، وَهَكَذَا " انتهى من "أضواء البيان" (8/ 428). وقال الشيخ رفيع الدين ابن ولي الله الدهلوي رحمه الله ، في كتاب "التكميل": "أهل الشرائع يفهمون من مثل قوله تعالى (الْأَرْضَ فِرَاشًا)، و (دَحَاهَا)، و (سُطِحَتْ) أنها سطح مستو، والحكماء يثبتون كرويتها بالأدلة الصحيحة فيتوهم الخلاف، ويدفع بأن القدر المحسوس منها في كل بقعة سطح مستو، فإن الدائرة كلما عظمت قل انجذاب أجزائها فاستواؤها باعتبار محسوسية، أجزائها، وكرويتها باعتبار معقولية جملتها انتهى ". تفسير قوله تعالى {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت}. نقله عنه " صديق حسن خان" في تفسيره "فتح البيان" (15/208). والله تعالى أعلم.
من هنا فإن الإصرار على (تسطيح الأرض) المطلق، أي المنظور بالعين المجردة بغير المقدر من مسافات بعيدة في الجو، مع التقدير الفيزيائي المثبت، يعني التمسك بظاهر اللغة أو بنيتها، أما التركيب العميق لها فهو الأهم الذي يحول (النظر إلى) من العين المجردة إلى وسيلة أخرى تمكن الإنسان من تقدير شكل الأرض بوضوح ودقة تصل إلى الأمتار أو أقل! والشيء نفسه يقال عن ذبذبات السمع، فما لا يستطيع الإنسان سماعه لا يعني أنه غير موجود، بل موجود ولكن على صورة غير صحيحة طبقاً لواقعه!