فالأمر في قوله: { فاعلم} كناية عن طلب العلم وهو العمل بالمعلوم ، وذلك مستعمل في طلب الدوام عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم ذلك وعلمه المؤمنون ، وإذا حصل العلم بذلك مرة واحدة تقرر في النفس لأن العلم لا يحتمل النقيض فليس الأمر به بعد حصوله لطلب تحصيله بل لطلب الثبات فهو على نحو قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا آمِنوا بالله ورسوله} [ النساء: 136]. وأما الأمر في قوله: { واستغفر لذنبك} فهو لطلب تجديد ذلك إن كان قد علمه النبي صلى الله عليه وسلم من قبل وعَمِله أو هو لطلب تحصيله إن لم يكن فعَلَه من قبل. فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك. وذكر { المؤمنات} بعد { المؤمنين} اهتمام بهن في هذا المقام وإلا فإن الغالب اكتفاء القرآن بذكر المؤمنين وشموله للمؤمنات على طريقة التغليب للعلم بعموم تكاليف الشريعة للرجال والنساء إلا ما استثني من التكاليف. ومن اللطائف القرآنية أن أمر هنا بالعلم قبل الأمر بالعمل في قوله: { واسغفر لذنبك}. قال ابن عيينة لما سئل عن فضل العلم: ألم تسمع قوله حين بدأ به { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك}. وترجم البخاري في كتاب العلم من «صحيحه» باب العلم قبل القول والعمل لقول الله تعالى: { فاعلم أنه لا إله إلا الله} فبدأ بالعلم.
وبسبب تأصيل الأمة الإسلامية حركتها ونشاطها وانبعاثها على العلم الشرعي والدنيوي، قامت من وسط الصحراء القاحلة الحضارة الإسلامية السامقة التي ظللت العالم كله في عقود قليلة، برغم قلة الموارد والإمكانات، إذ بالعلم والتعلم والتعليم أصبح صحابة النبي صلى الله عليه وسلم سادة الدنيا في عقود معدودة. وتلخص عبارة نابليون ذلك حين قال: "فتح العرب المسلمون نصف الدنيا في نصف قرن لا غير"، مع التأكيد أنه لم يكن فتحا احتلاليا ظالماً، بل كان فتح رحمة ونور وهدى وبركة ما تزال شعوب العالم تتطلع لعودتها. خطبة عن ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) - خطب الجمعة - حامد إبراهيم. ولذلك، فإن ما يجري اليوم من تخريج أجيال تلو أجيال تفتقد للعلم وللمعرفة على مستوى الدين أو الدنيا، لهو كارثة ضخمة ستنفجر في وجوه الجميع في المستقبل. إن هذه الأجيال الخالية من المعنى والمضمون لا تعرف إلا احتياجات غرائزها. وهي أجيال مسكينة تخسر دنياها وآخرتها، وضحية سياسات تتقصد الإفساد لخبث القائمين عليها. واليوم، فإن أمتنا، والبشرية جمعاء، بحاجة ماسة إلى تعلم ومعرفة حقيقة الوجود وغايته. فهذا الكون الفسيح المنظم والمعقد الذي يدهشنا كل يوم بدقة تنظيمه ومعجزة صنعه وتقديره، لا بد له من خالق صانع، وهو الله عز وجل: "… هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ…" (فاطر، الآية 3).
وهي كلمة قامت بها الأرض والسماوات وخلقت من أجلها جميع المخلوقات وبها انزل الله كتبه، وأرسل رسله وشرع شرائعه.. ولأجلها.. نصبت الموازين.. ووضعت الدواوين.. وقام سوق الجنة والنار.. وانقسمت الخليقة من أجلها إلى مؤمنين وكفار.. وعنها وعن حقوقها يكون السؤال والجواب.. وعليها يقع الثواب والعقاب.. وعليها نصبت القبلة.. فاعلم أنه لا إله إلا ه. وأسست الملة.. ولأجلها جردت سيوف الجهاد.. وهي حق الله على جميع العباد.. فهي كلمة الإسلام.. ومفتاح دار السلام.. وهي كلمة التقوى.. والعروة الوثقى وهي كلمة الإخلاص،.. وبها تكون النجاة من الكفر والنار والخلاص. من قالها عصم دمه وماله في الدنيا.. وإذا كان موقنًا بها من قلبه نجا من النار في الآخرة ودخل الجنة… كما في البخاري قال عليه الصلاة والسلام: (فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. يَبْتَغِى بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ ».
الخطبة الأولى ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما العقل فيقضي بأن الخالق لا يشبه مخلوقه ، والنقل القرءاني كذلك يقضي بأن الخالق لا يشبه مخلوقه ، قال الله تعالى: " ليس كمثله شيء " سورة الشورى ءاية 11. هذه الآية تحوي التنزيه كله ، تتضمن تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين على الإطلاق.