قالت وقد قبضت شرطة الآستانة على بضعة أشخاص من الأتراك اتهموا بتهريب الكتب العربية والكتب التركية المطبوعة بالحروف العربية من مصر وسورية والعراق وبيعها في المدن التركية، وإن الأندية السياسية والعلمية في أنقرة دهشت من ضخامة عدد الأسفار المهربة وتقدر بالملايين. ويرجى بعد هذه الرجعة أن تعود العربية إلى تركيا أرفع مقامًا مما كانت عليه في زمن العثمانيين، وأن تقضي الحروف العربية على الحروف اللاتينية في كتابة اللغة التركية؛ لأن السواد الأعظم من الأتراك لا يرضون بغير الرجوع إلى القديم». — محمد كرد علي المذكرات - الجزء الخامس وفاته ظل محمد كردي علي موفور النشاط، دائب السعي، لا يكف عن الكتابة والتأليف، حتى لقي الله في ( 17 رجب 1372هـ / 2 أبريل 1953) بعد حياة ملأها بجلائل الأعمال والذكرى الطيبة. مصادر الترجمة جمال الدين الألوسي - محمد كرد علي - دار الشئون الثقافية العامة -بغداد -1986م. سامي الدهان -قدماء ومعاصرون - دار المعارف -القاهرة -1961م. فضل عفاش -رحالات في أمة -دار المعرفة - دمشق -(1408هـ= 1988م). محمد رجب البيومي -النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين -دار القلم - دمشق (1415هـ= 1995م).
لم تستأثر مصر وحدها بريادة بواكير النهضة الفكرية في مطلع القرن العشرين، بل شاركتها بعض أخواتها من البلدان العربية، بروادها النابهين من رجال الفكر والأدب والإصلاح. وكانت بلاد الشام موطنا لنهضة فكرية وليدة تعمل على إصلاح المجتمع وتخليصه مما ران عليه من جهل وتخلف، وتسعى إلى رفعة الأدب العربي، واستعادة ما كان عليه من قوة وازدهار في عصوره الزاهية. وحمل لواء هذه النهضة نفر كرام من زعماء الإصلاح في الشام، يتقدمهم الشيخ طاهر الجزائري، وتلميذه النابه محمد كرد علي الذي تابع مسيرة شيخه بخطا واسعة، يدعو إلى الإصلاح والتجديد، ويحارب أهل الزيغ والأهواء، وينافح عن العروبة والإسلام، ويقود الحركة الفكرية في سوريا في ثقة وثبات. وظل محمد كرد علي حتى وفاته في حركة دائبة وعمل متصل، لا يعرف الهدوء ولا الراحة، ولا ينقطع عن الكتابة والتأليف. النشاط والتكوين وُلِد محمد كرد علي في مدينة دمشق في أواخر صفر سنة (1293هـ= 1876م)، ونشأ في أسرة كريمة، لأب كردي وأم شركسية، وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة "كافل سيباي" حيث تعلم القراءة والكتابة ومبادئ العلوم الإسلامية والحساب والطبيعيات، ثم انتقل إلى المدرسة الرشدية (الثانوية)، ودرس بها التركية والفرنسية، وفي هذه الفترة مالت نفسه إلى القراءة ومطالعة الصحف، ووجد والده عونا له في إشباع هذه الرغبة، حيث كان يساعده على اقتناء الكتب.
وإلى جانب همته في المطالعة اتصل بعدد من علماء دمشق المعروفين، من أمثال الشيخ طاهر الجزائري والشيخ سليم البخاري والشيخ محمد المبارك، وقرأ عليهم كتب الأدب واللغة والبلاغة والفقه والتفسير والفلسفة، فوقف بذلك على التراث العربي وتمثله خير تمثيل. ولم يغفل في أثناء ذلك عن مطالعة خير ما كتبه أدباء فرنسا من أمثال: فولتير ، وروسو ، ومونتسكيو ، وبنتام ، وسبنسر ، وغيرهم، فضلا عن قراءة ما تكتبه الدرويات الفرنسية التي تصل إلى دمشق. وبعد الانتهاء من الدراسة الثانوية دخل الوظيفة كاتبا في قلم الأمور الأجنبية سنة (1310هـ= 1892م) وهو في السابعة عشرة، وكان يعرف الفرنسية والتركية؛ وهو ما أعانه على أن يظل في هذه الوظيفة ست سنوات، كان خلالها يرسل بمقالاته إلى الصحف المحلية. في رحاب الصحافة واصل محمد كرد علي الكتابة في الصحف حتى بلغ الثانية والعشرين من عمره، وازدادت خبراته، وتمرس بالكتابة، وأصبح قادرا على التعبير المحكم والتحليل الدقيق، وعهد إليه بتحرير مجلة الشام الأسبوعية، وهي أول مجلة تظهر في دمشق، ومكث يعمل في هذه المجلة ثلاث سنوات، اتصل في أثنائها بمجلة المقتطف المصرية، وكان صاحبها قد شكا لـ"شكيب أرسلان" انفراده بالتحرير، واحتياجه إلى كفاءة تعاونه؛ فدله على محمد كرد علي، وكان ذلك سببا في شهرته في العالم العربي، وخرج من نطاق ضيق بالشام إلى إقليم واسع كان موطن الصحافة والثقافة العريضة.
وفيما يلي نص الرسالة التي تشكل وثيقة تاريخية، لباحث ومؤرخ بارز، كرديّ الهوية والانتماء.. رأى قبل تسعين عاما من اليوم... ما يجول في خاطر أبناء قوميته اليوم، وأشار إلى أنهم سيستغلون أي مشاكل سياسية لتأليف دولتهم، ولو على حساب الدولة التي استقبلتهم مهجرين ولاجئين! • نص الرسالة / الوثيقة: يقول محمد كرد علي في رسالته إلى رئيس الحكومة تاج الدين الحسني عام 1931 في الجزء الثاني من (المذكرات) ص440-442 " وإني لمغتبط جد الاغتباط بما رأيت من قيام أعمال مهمة في بعض أنحاء لواء الجزيرة الذي لم تضع فيه الدولة البائدة حجراً على حجر؛ فإن بضعة من الجسور والطرق والمدارس ودور الحكومة مثال من العناية بذاك اللواء الجديد والحكمة تقضي بمضاعفة هذه العناية وأن ينشأ فيه في السنة القادمة عشر مدارس ابتدائية لا تكلف أكثر من عشرة آلاف ليرة سورية وينشأ جامع فخم في عين دوار. أما عمل الأهلين في أرض الجزيرة فهو أعظم أثراً ذلك لأن الحسجة (1) التي لم تكن قبل ست سنين سوى قرية صغيرة أصبح سكانها اليوم نحو خمسة آلاف وكذلك يقال في القامشلي (2) التي لم تكن تضم قبل ست سنين سوى بيت واحد وطاحون فأصبحت اليوم تحوي اثني عشر ألفاً من السكان مخططة على صورة هندسية جديدة منارة بالكهرباء مغروسة بالأشجار، وغداً تلحق بها عين دوار وغيرها.
للحضارة الإسلامية فضلٌ كبيرٌ على الغرب والغربيين، لا ينازعها فيه إلا حاقدٌ كارهٌ لها. حاول الكثير طمس هذه الحقيقة عبر أزمنة عِدَّة، دونما فائدة. والمؤلف هنا يعرض لجوانب الحضارة الإسلامية بكل مراميها، بعد أن أعياه نقد الناقمين وزيف المستشرقين، فوضع هذا الكتاب في جزأين منفصلين، أفرد الجزء الأول للرد على منكري فضل الحضارة الإسلامية على شعوب الغرب ودولهم. أما الجزء الثاني فقد خصَّصه للحديث عن العلوم والمذاهب الإسلامية باختلافها، وكذلك الإدارة والسياسة في الإسلام، مستعرضـًا منهج النبي محمد فيهما مرورًا بالخلفاء الراشدين وصولاً لإدارة الأمويين والعباسيين، ثم المماليك والتُّرك، فكان الكتاب في مُجمَلِه خيرَ ردٍّ على مَن يُنكر أثر حضارة العرب والمسلمين ونهضتهم على أوروبا. هذه النسخة من الكتاب صادرة ومتاحة مجانًا من مؤسسة هنداوي بشكل قانوني؛ حيث إن نص الكتاب يقع في نطاق الملكية العامة تبعًا لقوانين الملكية الفكرية.