وعاشوا بين السكان الفلسطينيين الأصليين من الكنعانيين واليبوسيين وأقلية صغيرة من بقايا اليهود الناجين من الحروب والسبي الروماني قبل هزيمة الرومان امام العرب المسلمين في معركة اليرموك. سناب ابو قحطن – البسيط. كان اليمنيون يتباهون على القيسية بأصولهم، فهم من العرب العاربة، وكانوا هم حكام مكة قبل قريش. كما كان الأوس والخزرج في المدينة المنورة من اليمنية أيضا وهم من ناصر النبي العربي الكريم محمد بن عبد الله، بينما كان القيسية يباهونهم بأنهم (هم هداة هذه البلاد ومنهم النبي وخلفاؤه) فكان لهذه المفاخرة أثر في التحيز للعصبية التي نهى عنها الاسلام وحد منها كثيرا ولكن الدولة الأموية وجدت من مصلحتها تأجيج هذه العداء والاستفادة منه في صراعها ضد مناهضيها وأعدائها. ومن صفحات هذا الصراع المرير بين القيسية واليمانية نعلم الآتي: كانت قبيلة بني هلال، القيسية العدنانية في نزاع دائم مع العرب القحطانية بحكم مجاورتهم لها بنجد وسط الجزيرة العربية، مما جعل عصبيتهم متأججة على الدوام. ويرى الباحث عبد المجيد مزيان أن القيسية (دخلوا الحياة السياسية بمشاركتهم في ثورة القرامطة بشمال شرق الجزيرة ضد الخلافة العباسية، ولجأوا إلى الفاطميين طمعاً في النصرة وتقويضاً لدعائم الإقطاعية العباسية التركية، وطمعا في إقطاعهم أرضاً في مصر).
........................................................................................................................................................................ الجزء الأول: ماذا نعرف عن الصراع العنيف بين القيسية واليمنية في التاريخ العربي قبل وبعد الإسلام؟ ثمة صفحة مهمة من صفحات التاريخ العربي تكاد تكون مجهولة لدى الأجيال العربية المعاصرة. إنها صفحة الصراع القبلي الواسع والعنيف في التاريخ العربي وهو الصراع القيسي اليمني، الذي انقسم فيه العرب إلى ما يشبه شعبين متقاتلين ومتعاديين بحدة هما الشعب القيسي والشعب اليمني. ابو قحطن قبل وبعد الرجيم. وكان لهذا الانقسام دور كبير ومهم وفاعل في الأحداث قبل وبعد الإسلام وصولا إلى العصر الحديث الذي تطامن وهدأ فيه هذا الصراع لمصلحة استعار أشكال أخرى من الصراعات الداخلية ذات الطابع الطائفي الديني كذاك الذي أججه الاحتلال الأميركي للعراق المترافق والمتكامل مع الظاهرة التكفيرية الفاشية. لقد ملأ صراع القيسية واليمنية، أي بين عرب الشمال (بمختلف أسمائهم المتداخلة والمتوالدة كالعدنانيين، القيسيين والمضريين) وعرب الجنوب (اليمنيين أو القحطانيين) صفحات مهمة وكثيرة ومريرة من صفحات التاريخ ومن الضروري والمفيد التعرف عليها كجزء وطيد من تاريخنا.
في الحقيقة، لقد أهدت الإمارات الأحرار في العالم العربي هدية ثمينة حين كشفت للعلن هذه العلاقة بدلا من اللعب تحت الطاولة كما تفعل بعض الدول وتنتظر دورها في قطار التطبيع العلني. ثمة مقارنات كثيرة على وقع الصدمة الإماراتية الفاضحة يوم أمس. لكن تظل أبو ظبي متفردة في اختيارها الهرولة إلى أحضان إسرائيل دون مقابل ولو حتى من باب كمية وافرة من المغالطات العربية المعتادة. في سياق هذا التموضع الجديد، قاد محمد بن زايد حملة جرائم واغتيالات لرموز التيارات الإسلامية في المنطقة العربية، وكان واضحا أنه يهدف إلى تهيئة الساحة لهذا الدور الجديد. لا قت إجراءاته القمعية ومحاولات اجتثاث فروع الإخوان المسلمون رضى واستحسان بعض الأصوات القومية العربية التي راحت تبشر بعهد جديد خال من الإسلاميين. ابو قحطن قبل وبعد المذاكرة. لكن التطبيع المعلن يضع هذه الأصوات وتيارات أخرى، بينها إسلامية، أمام مختبر حقيقي للمواقف. الأهم أن القناع الذي كان يتستر به محمد بن زايد سقط وبدت سوأته وصورته واضحة ومكشوفة للجميع. رغم ذلك، لم تكن الصورة غائمة، إذ خلال السنوات العشر الأخيرة، جندت أبو ظبي طاقاتها لخدمة المشروع الصهيوني ابتداء باغتيال قائد حركة حماس محمد المبحوح في أحد فنادق دبي وآخرا برعاية مشاريع التخريب والتدخلات العسكرية المباشرة لوأد التجارب الديمقراطية في مصر وليبيا واليمن.
فماذا بخصوص هذا الصراع في العهد الأموي؟ هذا ما سنتوقف عنده في الجزء الثاني من هذا المبحث، إلى اللقاء وشكرا لكم ولكن على المتابعة. دولة بني أمية تنحاز لليمنية وتضطهد أهلها القيسية بسيوف اليمن برز هذا العداء بين القبائل القيسية واليمنية واستعر بقوة مع قيام الدولة الأموية في بلاد الشام وتحول إلى أحد محركات ودوافع الصراع المسلح الذي كان انعكاسا لحالة الصراع الاجتماعي السائدة في المجتمع العربي الإسلامي السائر نحو النضج والخروج من اقتصاديات الغزو والكر والفر نحو التراتبية والتمركز الاجتماعي المختلف والمتفاقم مع اتساع الدولة وكثرة وارداتها من غنائم الحرب أو إدارة الخراج الزراعي والنشاط التجاري الداخلي ما أحدث تراكما نقديا مهما آنذاك. لقد انحاز بنو أمية وهم من قريش العدنانية القيسية الى اليمنية، لأسباب شتى منها العداء المبكر لبني أمية الذي تكنه القبائل القيسية التي ينتمون إليها، ومنها وجودهم القديم والذي يعود لزمن طويل قبل الإسلام في بلاد الشام.
ومن أقولهم: أن أول أجيال العرب من بني سام، انتقلوا إلى جزيرة العرب من بابل لما زاحمهم فيها بنو حام، فسكنوا جزيرة العرب بادية مخيمين. فهذا القول يبعد عن رأي المحققين المتأخرين من جهة ويقرب من جهة أخرى، فبعده في أن المتأخرين يرون أن بني سام نشأوا في قلب جزيرة العرب، ولما ضاقت بهم هذه الجزيرة هجروها وتدفقوا نحو أطراف العراق والشام ومصر، وتركوا عيش البداوة وتحضروا. وقربه في أن المتأخرين يرون أيضاً أن بعض بني سام وأسموهم المعينيين - وسيأتي حديثهم - جلوا بعد حين من العراق لما زاحمهم فيه الآرييون وجاؤوا إلى اليمن موطن آبائهم الأولين وأنشؤوا فيه أول دولة عرفها التاريخ فيه، أي أن هؤلاء انتقلوا من حاضرة إلى حاضرة لا من حاضرة إلى بادية.
وقصارى ذلك كما يظهر من كلام ثقات المؤرخين أن الفتوح الحربية لم تتجاوز جزيرة العرب وربما اليمن وحضرموت وعمان فحسب. ابو قحطن قبل وبعد اول ابتدائي. أما التوسع التجاري فليس من شك في بلوغهم به أطراف الجزيرة ونفوذ قوافلهم إلى العراق والشام ومصر - كما سوف نذكره -، ولكن هذا لا يعد توسعاً حربياً أو سياسياً كما أرادته تلك النقول الموضوعة والقصائد المنحولة، ويظهر من كلام أولئك الثقات أيضاً أن ملوك حمير كانوا ملوكاً منفردين، كل منهم في مخلافه لا يتجاوزه، والمخلاف كالقضاء في بلاد الشام والعراق الآن، مؤلف من عدة محافد، والمحفد كالناحية مجموعة من القرى المتجاورة. كان الأقيال يتنازعون ويغير بعضهم على بعض، وقد ينبغ منهم من يمتد نفوذه أكثر من غيره فيدعى ملكاً أو تبعاً ويؤسس مملكة يتوارثها أعقابه، فتتألف منهم دولة يطول بقاؤها أو يقصر، ويتسع سلطانها أو يضيق، حسب الأحوال، شأن كل قطر تكثر فيه ملوك الطوائف. وبالغ المؤرخون العرب أيضاً في حكاية تصدع سد مأرب وفي نسبتهم هجرة القحطانيين وتشتتهم إلى ذلك التصدع دون غيره، بينما يذهب المحققون الآن إلى أن تصدع ذلك السد حدث قبيل ظهور الإسلام بأقل من قرن، والهجرة والتشتت حدثا قبل ذلك بعدة قرون، وفي فترات متعاقبة بحكم تحول الظواهر الجوية، وتبدل المسالك التجارية كما قدمنا.
د. عبدالرحمن بن معاضه الشهري اترك تعليقاً لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ * التعليق الاسم * البريد الإلكتروني * الموقع الإلكتروني شاهد أيضاً إغلاق مفاهيم مؤسسة مع الدكتور عصام البشير | ح26 مفهوم الجهاد والقتال الأربعاء 7 شوال 1442ﻫ 19-5-2021م