بعد مسيرة زاخرة بالعطاء والكفاح والدعوة لرفع وحمل راية القومية العربية، ودّعت الكويت والأوساط السياسية والفكرية والقوى الوطنية والتقدمية والعروبية في العالم العربي الدكتور أحمد الخطيب، أول طبيب في الكويت، وأحد أشهر رجالات السياسة، والنائب السابق في مجلس الامة، واحد كتبة الدستور الكويتي، وفارس من فرسان الرعيل الأوّل للقوميين العرب، الذي لعب أدوارًا قيادية على المستويين الوطني القومي. ورحل البشوش. فهو من وضع اللبنة الأولى في الحركة القومية التي آمنت بالأفكار العروبية والقومية الوحدوية، وأسس حركة القوميين العرب سنة 1952 مع جورج حبش ووديع حداد وهاني الهندي، كذلك فهو من مؤسسي النادي الثقافي القومي ليكون امتداده في الستينات نادي الاستقلال. وأصدر الخطيب مجلة شهرية بعنوان "الإيمان"، ومجلة أسبوعية أسماها "صدى الإيمان"، وهي أول مجلة أسبوعية تصدر في الكويت. وكان الخطيب أول طبيب كويتي عمل على الارتقاء بالقطاع الصحي، وامتاز بالجرأة والشجاعة السياسية، ولم يكن يعرف مصطلح "الخطوط الحمراء"، فهي برأيه خطوط وهمية يقوم بصنعها الواقع السياسي الذي تعيشه جميع الدول. أحمد الخطيب شخصية استثنائية من جيل قومي استثنائي لن يتكرر، وكان السياسي والبرلماني الذي حمل الكويت إلى مصاف الدول الديمقراطية، ولم يرض لغياب البرلمان عن المشهد السياسي، فخرج في مسيرات وشارك في تجمعات دفاعًا عن الحياة الديمقراطية.
في أحد الحوارات معه قال: حين أحن إلى نابلس أو الخليل أو القدس أو أي مدينة فلسطينية أخرج للمشي في دمشق، فنابلس هي دمشق الصغرى. وعن أبرز مراحل حياته الشعرية والفنية، أضاف: أبرز مراحل حياتي هي انفتاحي على الثقافة، بداية من الموروث الشعبي وصولاً إلى الموروث الشعري الذي سجله فرسان الشعر في حياتنا العربية، وهذا نشأ معي في القرية ويتواصل في مشهدنا الكفاحي الراهن المحمول على الأغاني التي يفجرها من القرية إلى المدينة، فحسب الشاعر أن يكون حادياً للعيس، وفي قصيدته المعلقة على جدار مخيم جنين، يقول أبو خالد: "سنقرأ نقشهم في الأرض/لا للموت، لا للماء من كأس العدو/فهل ستسقط في السبات أو الموات؟/لم يكذب الأطفال إذ كبروا، ولا اعتذروا من الشهداء/أو قبلوا من الأحياء أعذاراً/ولا أكلوا رغيفاً من أكاذيب السلام". وكان يرى أن "المثقف الحقيقي هو الذي لايضيّع بوصلته ولا يغرق في التفاصيل، فعندما يكون الوطن مستهدفًا علينا الاصطفاف تحت سقفه لكي نقاتل، وكلٌّ يقاتل بأدواته، وقد عُرف بمواقفه الرافضة للتسوية، وقد صدرت أعماله الكاملة في ثلاثة مجلدات عن بيت الشعر الفلسطيني في رام الله بعنوان "العوديسا الفلسطينية" على منوال أسطورة الأوديسا، مستلهماً العودة وناحتاً هذا الاسم الجديد.
وكان الخطيب مسكونًا بالقومية العربية طوال حياته، مدافعًا مقدامًا صلبًا عنها في ميادين الحياة المختلفة، ورحل في زمن التطبيع والهزائم العربية المتلاحقة، وفي وقت تراجع الفكر والخطاب القومي، وغياب قوى التغيير الحقيقية، وسقوط ركائز الأمن القومي العربي. فلأحمد الخطيب الخلود والذكرى العطرة، وسيبقى خالدًا مخلدًا في صفحات التاريخ الكويتي والسجل الكفاحي لأبطال وشهداء وفرسان الأمة العربية الشجعان جميعًا.