اجابه صلى الله عليه وسلم في رفق وسهولة: "انْزِلْ أَبَا وَهْبٍ". فقال صفوان في خوف: لا والله حتى تُبيِّن لي. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «بَلْ تَسِيرُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ». وحدث ما وعده به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقي صفوان آمنا في مكة، حتى جاء موعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، واحتاج وقتها إلى الدروع والسلاح. وكان صفوان بن أمية من أكبر تجار السلاح في مكة، ومع ذلك لم يأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السلاح منه عنوةً، إنما اقترضها منه ودفع ثمنها. وخرج معهم حتى يراعي اسلحته ويقوم بجمعها بعد الغزوة. وانتصر المسلمون وكانت الغنائم كثيرة جدا، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوزيع الغنائم على جميع المشاركين في الغزوة دون أن يحتفظ لنفسه بشيء. واختص الرسول مائة من الإبل والشياه للمؤلفة قلوبهم. وكل هذا يراه صفوان بن أمية من بعيد وهو يشعر بداخله بالحسرة لعدم حصوله علي شيئا من تلك الغنائم الكثيرة التي يوزعها النبي الكريم علي الجميع. موقف الرسول الذي تسبب في اسلام صفوان لاحظ رسول الله ما يشعر به صفوان فقام بالنداء عليه وأعطاه مائة من الإبل، مثله مثل الزعماء المسلمين من أهل مكة.
هروب صفوان بن أمية من مكة وفر صفوان بن أمية عندما تم فتح مكة. فقد خاف من أن يقتل مثلما حدث مع والده بسبب إصراره على الشرك بالله. ولم يجد مكانا يذهب إليه فقد انتشر الإسلام في كل الأماكن، حتى صديقه عمر قد أسلم. وقرر أبا وهب أن يلقي بنفسه في البحر ليتخلص من حياته. وبالفعل اتجه إلي البحر الأحمر، كان معه غلام يقوم على خدمته اسمه يسار. وفي الطريق وجد أن هناك شخصا يتبعه. شعر بالخوف فأخبر الغلام أن يذهب ليشاهد من الذي أتى خلفهم. محاولات عمير بن وهب لارجاع صديقه أخبره الغلام أن الذي أتى هو عمير بن وهب واعتقد انه جاء لقتله. فقال له عمير بعد أن رأى نظرات الشك في عيناه: أبا وهب، جُعِلْتُ فِدَاكَ.. قد جِئتُكَ من عِنْدِ أَبَرِّ الناس، وأوصل الناس. وكان عمير قد رأه اثناء هروبه، واشفق عليه مما هو فيه، فذهب إلي النبي محمد عليه الصلاة والسلام، يستأذنه في أن يعطيه الأمان بمكة. وقال له: يا رسول الله، سيِّد قومي خرج هاربًا ليقذف نفسه في البحر، وخاف ألاَّ تُؤَمِّنَهُ، فداك أبي وأمي، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "قَدْ أَمَّنْتُهُ". قال عمير بن وهب رضي الله عنه لصديقه: إن رسول الله قد أمَّنَكَ. فخاف وقال: لا والله لا أرجع معك حتى تأتيني بعلامةٍ أعرفها.
اللهم العن الحارث بن هشام! اللهم العن صفوان بن أمية!. فنزلت: ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم فتاب عليهم ، فأسلموا ، فحسن إسلامهم. قلت: أحسنهم إسلاما الحارث. وروى الزهري ، عن بعض آل عمر ، عن عمر: أنه لما كان يوم الفتح ، أرسل رسول الله إلى صفوان بن أمية ، وأبي سفيان ، والحارث بن [ ص: 565] هشام. قال عمر: فقلت: لئن أمكنني الله منهم ، لأعرفنهم. حتى قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم: مثلي ومثلكم ، كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم فانفضخت حياء من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم. مالك ، عن ابن شهاب: بلغه أن نساء كن أسلمن ، وأزواجهن كفار ، منهن بنت الوليد بن المغيرة ، وكانت تحت صفوان بن أمية ، فأسلمت يوم الفتح ، وهرب هو. فبعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ابن عمه بردائه أمانا لصفوان ، ودعاه إلى الإسلام وأن يقدم ، فإن رضي أمرا; وإلا سيره شهرين. فلما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم- ناداه على رءوس الناس: يا محمد ، هذا جاءني بردائك ، ودعوتني إلى القدوم عليك ، فإن رضيت ، وإلا سيرتني شهرين. فقال: انزل أبا وهب. فقال: لا والله حتى تبين لي. قال: لك تسيير أربعة أشهر. فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قبل هوازن بحنين; فأرسل إلى صفوان يستعيره أداة وسلاحا كان عنده.
وشارك صفوان في الفتوحات الإسلامية في عهد أمير المؤمنين عمر وعهد عثمان بن عفان -رضي الله عنهما- وظل صفوان يجاهد في سبيل الله حتى اشتاقت روحه إلى لقاء ربها، فمات بمكة سنة (42 هـ) في أول خلافة معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه-، وقد روى كثيرًا من أحاديث رسول الله (، وروى عنه الصحابة والتابعون - رضي الله عنهم-.
وصدق صلى الله عليه وسلم.. فما كان بخيلاً، ولا جبانًا، ولا كذابًا. وكما حدث مع الزعماء السابقين، فقد مرَّ سهيل بن عمرو رضي الله عنه بالتجربة نفسها.