إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) القول في تأويل قوله تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) وقوله: ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) يقول تعالى ذكره: فلا أقسم بمواقع النجوم أن هذا القرآن لقرآن كريم، والهاء في قوله: ( إِنَّهُ) من ذكر القرآن.
من أسرار البلاغة وفنون العلم التي جاءت في القرآن الكريم، ويجدر بكل مسلم التفكر فيها، والتدبر في معانيها، القَسم في القرآن. والمتتبع لآيات القسم في القرآن الكريم يجد أن الله سبحانه أقسم في بعضها بذاته الموصوفة بصفاته وأقسم بآياته ومخلوقاته وبمظاهر الكون، ويوم القيامة، لتهيئة السامع، وإعداده إعداداً صالحاً لما يأتي بعد القَسم. يأتي ذكر القسم تأكيداً، لا سيما والقرآن أنزل بلغة العرب، الذين عهدوا على إثبات مطالبهم بالحلف واليمين والقسم، إذ كانوا يقطعون كلامهم بالقسم، بهدف تحقيق الخبر وتوكيده. قال تعالى:«فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ». تفسير فلا اقسم بمواقع النجوم. ورد هذا القسم في الآيات من الخامسة والسبعين وحتى التاسعة والسبعين من سورة الواقعة، وهي السادسة والأربعون في ترتيب النزول، والسادسة والخمسون بالمصحف الشريف، وآياتها ست وتسعون. والواقعة اسم السورة وبيان لموضوعها معاً، فالقضية الأولى التي تعالجها هذه السورة المكية هي قضية النشأة الآخرة،رداً على قول الشاكين فيها المشركين بالله المكذبين بالقرآن: أي إذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون؟ أو آباؤنا الأولون؟ ويقول ابن قيم الجوزية في كتابه «التبيان فى أقسام القرآن»: ذكر سبحانه هذا القسم عقب ذكر القيامة الكبرى، وأقسام الخلق فيها، ثم ذكر الأدلة القاطعة على قدرته وعلى المعاد بالنشأة الأولى، وإخراج النبات من الأرض، وإنزال الماء من السماء، وخلق النار، ثم ذكر بعد ذلك أحوال الناس في القيامة الصغرى عند مفارقة الروح للبدن، وأقسم بمواقع النجوم على ثبوت القرآن، وأنه تنزيله.
قال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (80)} [الواقعة] قال السعدي في تفسيره: أقسم تعالى بالنجوم ومواقعها أي: مساقطها في مغاربها، وما يحدث الله في تلك الأوقات، من الحوادث الدالة على عظمته وكبريائه وتوحيده. ثم عظم هذا المقسم به، فقال: { {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}} وإنما كان القسم عظيما، لأن في النجوم وجريانها، وسقوطها عند مغاربها، آيات وعبرا لا يمكن حصرها. وأما المقسم عليه، فهو إثبات القرآن، وأنه حق لا ريب فيه، ولا شك يعتريه، وأنه كريم أي: كثير الخير، غزير العلم، فكل خير وعلم، فإنما يستفاد من كتاب الله ويستنبط منه. فلا اقسم بمواقع النجوم تفسير. { {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ}} أي: مستور عن أعين الخلق، وهذا الكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ أي: إن هذا القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ، معظم عند الله وعند ملائكته في الملأ الأعلى. ويحتمل أن المراد بالكتاب المكنون، هو الكتاب الذي بأيدي الملائكة الذين ينزلهم الله بوحيه وتنزيله وأن المراد بذلك أنه مستور عن الشياطين، لا قدرة لهم على تغييره، ولا الزيادة والنقص منه واستراقه.