فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) قوله تعالى: فلولا كان أي فهلا كان من القرون من قبلكم أي من الأمم التي قبلكم. أولو بقية أي أصحاب طاعة ودين وعقل وبصر. ينهون قومهم. عن الفساد في الأرض لما أعطاهم الله تعالى من العقول وأراهم من الآيات; وهذا توبيخ للكفار. وقيل: لولا هاهنا للنفي; أي ما كان من قبلكم; كقوله: فلولا كانت قرية آمنت أي ما كانت. إلا قليلا استثناء منقطع; أي لكن قليلا. ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد في الأرض. قيل: هم قوم يونس; لقوله: إلا قوم يونس. وقيل: هم أتباع الأنبياء وأهل الحق. واتبع الذين ظلموا أي أشركوا وعصوا. ما أترفوا فيه أي من الاشتغال بالمال واللذات ، وإيثار ذلك على الآخرة. وكانوا مجرمين
وفي هذا تنويه بأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنهم أولو بقية من قريش يدعونهم إلى إيمان حتى آمن كلهم ، وأولو بقية بين غيرهم من الأمم الذين اختلطوا بهم يدعونهم إلى الإيمان والاستقامة بعد الدخول فيه ويعلمون الدين ، كما قال - تعالى - فيهم كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر. وفي قوله: من القرون من قبلكم إشارة إلى البشارة بأن المسلمين لا يكونون كذلك مما يومئ إليه قوله - تعالى: من قبلكم. وقرأ ابن جماز عن أبي جعفر بقية بكسر الباء الموحدة وسكون القاف وتخفيف التحتية فهي لغة ولم يذكرها أصحاب كتب اللغة ولعلها أجريت مجرى الهيئة لما فيها من تخيل السمت والوقار. و إلا قليلا استثناء منقطع من أولوا بقية وهو يستتبع الاستثناء من القرون إذ القرون الذين فيهم أولوا بقية ليسوا داخلين في حكم القرون المذكورة من قبل ، وهو في معنى الاستدراك لأن معنى التحضيض متوجه إلى القرون الذين لم يكن فيهم أولو بقية فهم الذين ينعى عليهم فقدان ذلك الصنف منهم. وهؤلاء القرون ليس منهم من يستثنى إذ كلهم غير ناجين من عواقب الفساد ، ولكن لما كان معنى التحضيض قد يوهم أن جميع القرون التي كانت قبل المسلمين قد عدموا أولي بقية مع أن بعض القرون فيهم أولو بقية كان الموقع للاستدراك [ ص: 185] لرفع هذا الإيهام ، فصار المستثنى غير داخل في المذكور من قبل ، فلذلك كان منقطعا ، وعلامة انقطاعه انتصابه لأن نصب المستثنى بعد النفي إذا كان المستثنى منه غير منصوب أمارة على اعتبار الانقطاع إذ هو الأفصح.
01-25-2013 09:10 PM #1 عضو الحالة: رقم العضوية: 5278 تاريخ التسجيل: Nov 2009 المشاركات: 8, 650 التقييم: 10 قال تعالى { فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)} قوله عز وجل: { فَلَوْلا} فهلا { كَانَ مِنَ الْقُرُونِ} التي أهلكناهم، { مِنْ قَبْلِكُمْ} والآية للتوبيخ { أُولُو بَقِيَّة} أي: أولو تمييز. وقيل: أولو طاعة. وقيل: أولو خير. يقال: فلان ذو بقية إذا كان فيه خير. معناه: فهلا كان من القرون من قبلكم من فيه خير ينهى عن الفساد في الأرض؟ [ وقيل: معناه أولو بقية من خير. يقال: فلان على بقية من الخير إذا كان على خصلة محمودة] (1). { يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ} أي يقومون بالنهي عن الفساد، ومعناه جحد، أي: لم يكن فيهم أولو بقية. { إِلا قَلِيلا} هذا استثناء منقطع معناه: لكن قليلا { مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} وهم أتباع الأنبياء كانوا ينهون عن الفساد في الأرض.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَوْلا كانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبْلِكم أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسادِ في الأرْضِ إلّا قَلِيلًا مِمَّنْ أنْجَيْنا مِنهم واتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وكانُوا مُجْرِمِينَ﴾. اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّ الأُمَمَ المُتَقَدِّمِينَ حَلَّ بِهِمْ عَذابُ الِاسْتِئْصالِ، بَيَّنَ أنَّ السَّبَبَ فِيهِ أمْرانِ: السَّبَبُ الأوَّلُ: أنَّهُ ما كانَ فِيهِمْ قَوْمٌ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسادِ في الأرْضِ، فَقالَ تَعالى: ﴿فَلَوْلا كانَ مِنَ القُرُونِ﴾ والمَعْنى: فَهَلّا كانَ، وحُكِيَ عَنِ الخَلِيلِ أنَّهُ قالَ: كُلُّ ما كانَ في القُرْآنِ مِن كَلِمَةِ "لَوْلا" فَمَعْناهُ هَلّا، إلّا الَّتِي في الصّافّاتِ.