فَحُبُّهُمْ سُنَّةٌ، وَالدُّعاءُ لَهُمْ قُرْبَةٌ، وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ وَسِيلَةٌ، وَالْأَخْذُ بِآثارِهِمْ فَضِيلَةٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّـهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّـهَ اللَّـهَ فِي أَصْحَابِي لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّـهَ وَمَنْ آذَى اللَّـهَ عَزَّ وَجَلَّ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ. الترمذي. لَقَد كَانُوا بِحَقٍّ أَرقَى جِيلٍ في الوُجُودِ ، تَرَبَّوا عَلَى عَينِهِ صَلَّى اللـهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَاقتَدُوا بِهِ وَنَهَلُوا مِن مَعِينِهِ ، وَتَخَلَّقُوا بِأَخلاقِهِ وَاستَنُّوا بِسُنَّتِهِ وَسَارُوا عَلَى هَديِهِ ، وَنَقَلُوا عَنهُ كُلَّ مَا جَاءَ بِهِ ، وكان فضلُهم على الأمةِ عظيماً. وجاهدوا في الله حق جهاده. قال شيخُ الإسلامِ:"فكلُّ خيرٍ فيه المسلمونَ إلى يومِ القيامةِ من الإيمانِ والإسلامِ ، والقرآنِ والعلمِ، والمعارفِ والعباداتِ، ودخولِ الجنةِ، والنجاةِ من النار، وانتصارِهم على الكفَّارِ، وعلوِّ كلمةِ اللـهِ فإنَّما هو ببركةِ ما فعلَه الصحابةُ، الذين بلَّغُوا الدَّينَ، وجاهدوا في سبيلِ اللـهِ.
فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث سرية فلما رجعوا قال: " مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس، ثم قال: أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه "2. وورد: أن من جاهد نفسه عن الشهوات واللذات والمعاصي فإنما يجاهد لنفسه. وأن جهاد المرء نفسه فوق جهاده بالسيف. وأنه سئل الرضا عليه السلام عما يجمع خير الدنيا والآخرة؟ فقال: خالف نفسك. وأن من جاهد نفسه وهزم جند هواه ظفر برضا الله. وأنه لا حجاب أظلم وأوحش بين العبد وبين الرب من النفس والهوى. وأن أحمق الحمقاء من اتبع نفسه هواه. إعراب وَجَاهِدُوْا فِى اللّٰهِ حَقَّ جِهَادِهٖۗ - إسألنا. وأنه ما حبس عبد نفسه على الله إلا أدخله الله الجنة.
وكلُّ مؤمنٍ آمنَ باللـهِ فللصحابةِ – رضي الله عنهم – عليهِ فضلٌ إلى يومِ القيامة". عباد الله: إنَّ فضائلَ الصحابةِ والاقتداءَ بهم لا يُحصيهَا عدٌ ؛ ولا يسطرُها قلمٌ؛ ولا يصفها لسانٌ؛ ولا يحيطُ بها بيانٌ! جامعة المصطفى العالمية :: فرع لبنان. وقد ذكرَ أصحابُ السننِ كُتُباً وأبواباً في مناقبِ وفضائلِ الصحابة كلٌ على حدهٍ ؛ فمن أراد معرفةَ المزيدِ فليرجعْ إلى مظانِّها في كتبِ السنَّةِ؛ وحسبي ما ذكرتُ في فضلِهم إجمالاً ؛ جعلنا اللـهُ وإيَّاكم أحسنَ حالا ومآلاً. وللحديث بقيةٌ بإذن الله تعالى عن حقوقِ أصحابِ النَّبيِ صلى الله عليه وسلم على الأمةِ. ثم صلوا وسلموا...
فتقديم الحقِّ على الجهاد من ناحية، وإضافة الضمير العائد إلى الله تعالى إلى كلمة الجهاد واختصاصه به تعالى من ناحيةٍ أخرى، إنّما هو لأجل إفادة المبالغة أكثر. وقد فسّر بعضهم "حقّ الجهاد" في قوله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ بمعنى الطاعة بلا معصية، أو بمعنى المجاهدة لأهواء النفس، أو بمعنى الجهاد الحقيقيّ مع الكفّار بلا مسامحة، وإن كانوا من الآباء والأبناء(4). لكن هذه التفاسير كلّها هي من قبيل المصداق للجهاد الحقّ. وكلّ جهاد يكون مع الإخلاص الكامل، وبذل الجهد، والصبر، دون طمع بالغنائم الماديّة، أو اعتناء بالشهوات الدنيويّة، ودون وجود أيّ سبب أو معصية تدفع المجاهد ليستمرّ في جهاده أو ينسحب ويتراجع، يمكن وصفه بـ"حقّ جهاده". وبذلك يتّضح أنّ حقّ جهاده مرتبة أعلى من حقّ الجهاد أيضاً. * تبدّل الجهاد إلى حقّ الجهاد ثمّة عوامل عديدة يمكنها أن تبدّل الجهاد وتجعل منه حقّ الجهاد، منها: 1- مشقّة القتال وصعوبته: صعوبة القتال تنشأ إمّا من زمان القتال، وأخرى من مكانه، أو غير ذلك. وأشدّ أنواع الجهاد بالنسبة إلى ما ذكرنا من الصعوبة يمكن تسميته بحقّ الجهاد، وقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "أفضل الأعمال أحمزها" (5).