صحيفة وصف: احتفلت فتيات عسير المتخصصات في فن القط العسيري، بمناسبة إدراجه على القائمة التمثيلية الخاصة بالتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، بتنفيذ جدارية احتفائية بمساحة أربعة أمتار، بعد تجهيزات متواصلة استمرت أسبوعين. وحظيت الجدراية بمشاركة من أمير منطقة عسير، الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز، خلال تشريفه الاحتفالية الخاصة بالمناسبة. وأوضحت مصممة ومنفذة الجدارية، الفنانة جميلة ماطر، أن فكرتها مبنية على مساهمة الجمهور في جمالية اللوحة من خلال المشاركة في تلوينها، بعد اختيار اللونين الأسود والأبيض، ووضع الإطار العام للوحة من قبل مبدعات عسير، معتمدة على التحليل الفني وأساسيات الفن التي اعتمدنها فنانات القط منذ أكثر من300 سنة. وأشادت بدور والدتها فاطمة حسن عسيري، في وضع اللمسات، وتعاون الفنانة زُهرة فايع، في تصميم وتخطيط العمل، بمشاركة عدد من الفنانات (المعاونات كما يسمى في فن القط)، وهن: أروى محمد جواهر ماطر، سهام جبران، عزة مكرش، عزيزه الغماز، عفاف دعجم، هيا عسيري. من جهتها أشارت الفنانة زُهرة فايع، إلى أن خبرتها في هذا المجال امتدت لنحو عقدين من الزمن، بعدما تعلمته على يد الفنانة الراحلة فاطمة أبوقحاص، والمشاركة في تنفيذ عدد من الأعمال منها تصميم جدارية القط التي عرضت بالأمم المتحدهة، وبعض الجداريات التي لا يقل طولها عن ستة أمتار، مبدية اعتزازها بأن أحد أعمالها اقتني من قبل أمير منطقة عسير وأضافت أن تجربتها الجديدة مع الفنانة جميلة ماطر، هي الخروج عن المعتاد وذلك من خلال مشاركة العمل مع الجمهور.
وذكرت "ماطر"، شاركنا بعدد من المعارض في أمريكا وفرنسا وبريطانيا، حيث لقي فن القط تألقًا وتفردًا وسط الفنانين العالميين، ولم يكن متفردًا بمعروضاته فحسب، ولكن بالدهشة من إبداع المرأة في خلق ألوانها وتناسق تلك الألوان، ورسم خطوط حياتها البسيطة برسوم هندسية غاية في الجمال، وهذه المعارض كانت فرصة لتبادل الثقافات والخبرات. وأضافت أن هذا التواصل يفتح جسورًا مباشرة للتعرّف على الآخر بما لديه من نظرة مختلفة لهذا العالم، وهذه المعرفة تساعد على تقييم الذات مقارنة بالآخرين، فيتعرّف الإنسان على موقعه الثقافي وفق معطيات العصر الحديث، كما أنها تعطي درجة عالية من الاحترام الذاتي للتاريخ والحضارة. من جانبها، أشارت الفنانة التشكيلية والمختصة بالقط العسيري عفاف دعجم، إلى أن فن القط في معاجم اللغة العربية يعني "خط أو نحت أو قطع"، ويسمى أيضًا بالنقش أو الزيان، وهو فن تراثي جدراني احترفته النساء في منطقة عسير، ويضم أكثر من 11 محافظة، فالقط حرفة نسائية. وتابعت أنه في بداية القط العسيري كان يستخدم اللونان الأسود والأحمر، وبعدها بدأت النساء باستخدام الألوان المستخرجة من الطبيعة مثل الأخضر (البرسيم) والأسود (الفحم) والأحمر(حجر المشقة) والأصفر (الكركم)، وهكذا.. ويتم مزجها بالصمغ النباتي حتى تعطي ثباتًا للون، مؤكدة أن هذا الفن له دلالة واضحة بأن عسير ملهمة ومنبع جمال منذ القدم، كما يدل على حرص المرأة واهتمامها بأدق تفاصيل منزلها الطيني، مشيرة إلى أن هناك حرفيات قديرات ورائدات للقط وأعدادهن ليست بالكثيرة، لكن بعد توثيقه باليونسكو بدأت تتجه له الأنظار.
تعد الراحلة فاطمة علي أبو قحاص من رائدات "فن القط العسيري"، أو فن نقش الجدران. أبو قحاص، المتوفاة عام 2010 عن 90 عاماً، ابنة محافظة رجال ألمع، بمنطقة عسير، حيث اشتهرت بريادتها وتميزها في هذا الفن التشكيلي، رغم عدم حصولها على أي شهادة تعليمية. تعلمت على يد والدتها، حين كان عمرها 8 سنوات، ثم احترفته مهنة لها، بعد وفاة زوجها لتربي أبناءها. ظلت فاطمة تمارس فن القط باحترافية لمدة 70 عاماً حصون وقصور ومزارات سياحية وتفوقت في هذا الفن، وظلت تمارسه باحترافية عالية، لمدة 70 عاماً. فأبدعت تزيين الكثير من المزارات السياحية، مثل حصن رازح وبيت آل الزهر في الخليس، وحصن آل علوان (مسمار) الذي يضم متحف ألمع الدائم للتراث، وجدارية كبيرة تتعدى عشرات الأمتار، في مدخل فندق قصر أبها الفاخر. فازت أبو قحاص، بجائزة أبها لعام 1418هـ، في الخدمة الوطنية، ونالت جوائز وشهادات تقديرية من اللجان التراثية في منطقة عسير، واختيرت كأشهر شخصية تراثية في مهرجان الجنادرية لعام 2007. أنهار الأمومة الصادقة لفن القط قال عنها الأديب والمؤرخ علي مغاوي، إن فاطمة أبو قحاص كانت مدرسة، وأنهارا تنساب من الأمومة الصادقة لـ"فن القط" الذي اختزلته في ذاكرتها، وأعادته للوجود بعد اندثاره.
اليونسكو تدرج فن القط العسيري في قائمة التراث الثقافي - YouTube
أوضحت الجمعية السعودية للمحافظة على التراث أن ٣١ مارس موعد لتقديم ملف اعتماد فن القط العسيري عالميا لمنظمة اليونسكو ، بعد إنهاء أهم خطوتين: "حصر التراث الثقافي غير المادي القائم على المجتمع في المملكة العربية السعودية: المهارات المرتبطة بالفنون الحرفية " و " الفيلم الوثائقي عن الفيلم " ، على أن ينتظر قرار الأخير للاعتماد أو إعادة الملف لتعديل الملاحظات. جاء ذلك على هامش ورشة "حصر التراث الثقافي غير المادي القائم على المجتمع في المملكة العربية السعودية: المهارات المرتبطة بالفنون الحرفية " التي تنظمها الجمعية بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ممثلا بالبرنامج الوطني للحرف والصناعات اليدوية "بارع" وبرعاية الشركة الوطنية السياحية "سياحية" في فندق قصر أبها ، بمشاركة ٢٢ من الجنسين كممثلين للمجتمع المحلي من المؤهلين من حملة الدكتوارة وأصحاب الخبرات والفنانين والفنانات.