- الكفر تعريفه وبيان أنواعه - الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبيه الأمين ؛ أما بعد فقد عظمت بمسألة التكفير الفتنة ، واشتدت بها المحنة ، وخاض خضمها أصناف كثر ، من أناس غمر ، وآخرين أمضوا في العلم عمر ، واختلفت مقاصدهم ، وتنوّعت مشاربهم ، فمنهم من خاض لجة هذا البحر الخضم ، قاصداً من ذلك تحقيق ما انطوت عليه نفسه من سقم ، أو إشباع ما في قلبه من حقد بعيد عن الندم. ومنهم من أراد من ذلك تحقيق مآرب طائفة خاصة ، عن الحق نافرة ناصّة والواجب على من أراد أن يحقق مسألة شرعية ، أن يتجرد عن كل مأرب وطريقة غير سويّة ، ويسعى لتحقيق الحق بالأدلّة القويّة وإني – إن شاء الله تعالى– أكتب في هذه المسألة لتحقيق الحق الذي يحبه الله ويرضاه ، متمسكاً بما عليه سلفنا الصالح الأئمة الهداة ؛ من اتباع الكتاب والسنة ، والاستعانة بفهمهم لنصوصهما المنزّلة من ذي المنّة ، وأسأل الله تعالى ألا يكلني إلى نفسي طرفة عين ، وأن يحفظني من كل خلل وشين ، ويمنَّ علي بمفاتيح العلوم ، فإنه القادر على ذلك وبيده كشف الكرب والهموم. الكفر لغة: قال ابن جرير الطبري – رحمه الله تعالى – في " تفسيره " (1/110): " وأصل الكفر عند العرب: تغطية الشيء ؛ ولذلك سمَّوا الليل كافراً ؛ لتغطية ظلمته مالبسته ؛ كما قال الشاعر: فتذكّرا ثقلاً رثيداً بعدما ألقت ذكاء يمينها في كافر وكما قال لبيد بن ربيعة: في ليلة كفر النجومَ غمامُها يعني: غطاها.
أ. ه وقال ابن عبد البر في " التمهيد " (4/240):" وأصل الكفر في اللغة الستر. - وقال في موضع آخر (23/295):" التغطية للشيء -، ومنه قيل لليل كافر ؛ لأنه يستر ، قال لبيد: " في ليلة كفر النجومَ غمامُها " أي: سترها أ. ه قلت: فعلى ذلك يكون معنى الكفر لغة: "الستر والتغطية". الكفر شرعاً: الكفر شرعاً يتنوع إلى نوعين: النوع الأول: الكفر الأكبر. تعريف الكفر الأكبر ٤٥ ،٣٦. النوع الثاني: الكفر الأصغر. تعريف الكفر الأكبر: الكفر الأكبر هو: نقيض الإيمان. نقله الأزهري في " تهذيب اللغة "(4/3163) عن الليث ، وقاله ابن فارس في " معجم مقاييس اللغة "(5/191)، وانظر"لسان العرب"(5/144). وقال ابن حزم الظاهري في " الفصل في الملل والأهواء والنحل " (3/118): " جحد الربوبية وجحد نبوة نبي من الأنبياء صحت نبوَّته في القرآن ، أو جحد شيء مما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم مما صحَّ عند جاحده بنقل الكافة ، أو عمل شيء قام البرهان بأنَّ العمل به كفر ". وقال ابن عبد البر في " الاستذكار " (8/549):" الكفر لا يكون إلا بترك ما يكون به الإيمان ". قلت: وهذا قريب من التعريف الأول ، وبما أن الإيمان لا يكون إلا بالقول والاعتقاد والعمل ؛ فكذلك الكفر يكون بالاعتقاد أو القول أو العمل ؛ وهو أنواع.