القول في تأويل قوله تعالى: ( قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ( 9) قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ( 10)) [ ص: 151] يقول تعالى ذكره: قال الله لزكريا مجيبا له ( قال كذلك) يقول: هكذا الأمر كما تقول من أن امرأتك عاقر ، وإنك قد بلغت من الكبر العتي ، ولكن ربك يقول: خلق ما بشرتك به من الغلام الذي ذكرت لك أن اسمه يحيى علي هين ، فهو إذن من قوله ( قال ربك هو علي هين) كناية عن الخلق. وقوله ( وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) يقول تعالى ذكره وليس خلق ما وعدتك أن أهبه لك من الغلام الذي ذكرت لك أمره منك مع كبر سنك ، وعقم زوجتك بأعجب من خلقك ، فإني قد خلقتك ، فأنشأتك بشرا سويا من قبل خلقي ما بشرتك بأني واهب لك من الولد ، ولم تك شيئا ، فكذلك أخلق لك الولد الذي بشرتك به من زوجتك العاقر ، مع عتيك ووهن عظامك ، واشتعال شيب رأسك. وقوله: ( قال رب اجعل لي آية) يقول تعالى ذكره: قال زكريا: يا رب اجعل لي علما ودليلا على ما بشرتني به ملائكتك من هذا الغلام عن أمرك ورسالتك ، ليطمئن إلى ذلك قلبي. إعراب قوله تعالى: قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا الآية 21 سورة مريم. كما حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( قال رب اجعل لي آية) قال: قال رب اجعل لي آية أن هذا منك.
قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا قالَ جِبريل: قالَ رَبُّكِ: كذلكَ هوَ سَهلٌ عَليَّ يَسير، وإنْ لم يَكنْ لكِ زَوج، ولم توجَدْ منكِ فاحِشَة، ولنَجعلَ هذا الغُلامَ عَلامةً للنّاس، ودَلالَةً على كمالِ قُدرَتِنا، ونِعمَةً عَظيمَةً مِنْ عندِنا، وليَكونَ نبيًّا مِنَ الأنبياء، ويَهتَدي النَّاسُ بهَدْيه. وكانَ هذا أمرًا مُقَدَّرًا ومُسَطَّرًا في اللَّوحِ المَحفوظ، فلا بُدَّ منه. { قال كذلك} أي: الأمر كما وصفت لك { قال ربك هو علي هين} أن أهب لك غلاما من غير أب { ولنجعله آية} علامة للناس على قدرة الله تعالى { ورحمة منا} لمن تبعه على دينه { وكان} ذلك { أمرا مقضيا} قضيت به في سابق علمي فرفع جبريل عليه السلام جانب درعها فنفخ في جيبها فحملت بعيسى عليه السلام قال لها المَلَك: هكذا الأمر كما تصفين من أنه لم يمسسك بشر, ولم تكوني بَغِيًّا, ولكن ربك قال: الأمر عليَّ سهل; وليكون هذا الغلام علامة للناس تدل على قدرة الله تعالى, ورحمة منَّا به وبوالدته وبالناس, وكان وجود عيسى على هذه الحالة قضاء سابقًا مقدَّرًا, مسطورًا في اللوح المحفوظ, فلا بد مِن نفوذه.
وقوله: ( وكان أمرا مقضيا) يحتمل أن هذا من كلام جبريل لمريم ، يخبرها أن هذا أمر مقدر في علم الله تعالى وقدره ومشيئته. ويحتمل أن يكون من خبر الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأنه كنى بهذا عن النفخ في فرجها ، كما قال تعالى: ( ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا) [ التحريم: 12] وقال ( والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا) [ الأنبياء: 91]قال محمد بن إسحاق: ( وكان أمرا مقضيا) أي: أن الله قد عزم على هذا ، فليس منه بد ، واختار هذا أيضا ابن جرير في تفسيره ، ولم يحك غيره ، والله أعلم. ﴿ تفسير القرطبي ﴾ وقوله: ولنجعله متعلق بمحذوف ؛ أي ونخلقه لنجعله. آية دلالة على قدرتنا عجيبة. ورحمة لمن آمن به. هو علي هين - أحمد قوشتي عبد الرحيم - طريق الإسلام. وكان أمرا مقضيا مقدرا في اللوح مسطورا. ﴿ تفسير الطبري ﴾ ( قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) يقول تعالى ذكره: قال لها جبريل: هكذا الأمر كما تصفين ، من أنك لم يمسسك بشر ولم تكوني بغيا، ولكن ربك قال: هو عليّ هين: أي خلق الغلام الذي قلت أن أهبه لك عليّ هين لا يتعذّر عليّ خلقه وهبته لك من غير فحل يفتحلك. ( وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) يقول: وكي نجعل الغلام الذي نهبه لك علامة وحجة على خلقي أهبه لك.
هكذا الأمر ، وتلك هي الحقيقة بأوجز عبارة ، وأوضح بيان {هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} { كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} هكذا الأمر ، وتلك هي الحقيقة بأوجز عبارة ، وأوضح بيان { هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} وكم نغفل عن استحضار هذا المعنى - قلبيا ويقينيا - وإن جزمنا به عقليا ومعرفيا. فكل شيء أيا كان ، ومهما تعاظم واستبعدته الأسباب الأرضية ، هو هين يسير على رب العالمين ، وقيوم السموات والأرضين. فليس يعجز الله شيء قط ، ولا تتعاظمه حاجة أبدا ، ولا يستكثر في جوده وكرمه أمر من الأمور ، بل كل شيء عليه هين يسير ، ومقاليد السماوات والأرض بيده ، ومفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ، ونواصي العباد جميعا في قبضته ، وقلوبهم بين أصبعين من أصابعه ، وخزائنه ملأى لا تغيضها نفقة ، ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء. وهذا الرب الكريم العظيم ، لا ييأس عبده قط من سؤاله ، والتملل بين يديه ، والإلحاح على نوال كرمه ، ودوام التضرع والتذلل لعظمته ، وإن طال أمد الإجابة وتأخر لحكمة يعلمه سبحانه. فلا يظن العبد بربه إلا أحسن الظن ، فعطاؤه رحمة وجود ، ومنعه عين الحكمة والخير لعبده. أما من طال عليه الأمد ، وتسلل إليه اليأس ، وساورته الشكوك ، وحامت حوله الهواجس ، وظن بالله الظنون ، فليراجع إيمانه ، وليجدد إسلامه وإنقياده ، وليكثر من التأمل في أسماء الملك ، وصفات عظمته وجلاله وجماله وكماله.
عن الموسوعة نسعى في الجمهرة لبناء أوسع منصة إلكترونية جامعة لموضوعات المحتوى الإسلامي على الإنترنت، مصحوبة بمجموعة كبيرة من المنتجات المتعلقة بها بمختلف اللغات. © 2022 أحد مشاريع مركز أصول. حقوق الاستفادة من المحتوى لكل مسلم
الدعاء