اليسا.... خذ بالك عليا هواجس المهندس خالد بطراوي رام الله - فلسطين " خذ بالك عليا دي مش معاملة تعاملني بيها وابقى افتكر ليا أيام تعبت عشانك فيها " بهذه الكلمات بدأت اليسا أغنيتها " خذ بالك عليا" وهي بذلك تدعو الى المعاملة بالمثل، بمعنى عليك أيها الحبيب أن تهتم بها "وتنتبه لها" تماما كما هي كانت قد فعلت في السابق عندما بذلت مجهودا كبيرا وتعبت أيما تعب فيما مضى وهي تهتم وترعى هذا الحبيب. وبصراحة فانني أختلف مع هذا التوجه، لأن الانسان عندما يقدم ما يقدمه فانه يفعل ذلك من تلقاء نفسه ومن القيم والمثل التي تربى عليها وليس عرفانا لجميل كان قد قدمه ذات يوم اليه انسان آخر. فكثيرة هي هذه الأيام التصرفات التي تنبع ليس من الأعماق وانما كرد جميل، حيث نرى عائلة لا تحضر هدية الى عائلة أخرى في مناسبة ما الا اذا كانت هذه العائلة قد أحضرت فيما مضى هدية. خالد بطراوي. بمعنى أن مسألة التعامل بالمثل بدأت تطغى في الوقت الذي يجب أن ينطلق فيه الانسان من أخلاقياته ومثله وليس كردود فعل على أفعال آخرين. لا يمكن لي أن أقبل مثلا بأن يعامل حبيب محبوبته باهمال أثناء مرضها تحت ذريعة أنها عندما مرض هو لم تهتم به، لأن ذلك الفعل يعني أن العلاقة هي علاقة منفعة ومصلحة تبادلية ليس الا.
فقد تناول أحد الأطفال ( في عمر 10 سنوات) زجاجة الماء ووضعها عند فمه ليشرب. عندها قامت قائمة هذا المدرب ولم تقعد، من بعيد وبحركة مسرحية متسلطة وبصراخ يصم الآذان وباصبع يشير نحوه صرخ " Do Not Drink " ولم يكن الطفل أصلا ملتفتا نحوه فلم يره ويبدو أنه أيضا ليس " ضليعا باللغة الانكليزية" فاستمر في الشرب، عندها صاح المدرب مجددا أمرا اياه بعدم الشرب لدرجة أن من حوله طلبوا من هذا الطفل باللغة العربية بأن لا يشرب، ارتعب الطفل ورجفت أوصاله وأغلق زجاجة الماء. يا سلام، ارتكب الطفل جريمة نكراء بحق البشرية جمعاء، عطش فشرب. على الفور تذكرت " تسيمح" مدير معتقل أنصار 3 في صحراء النقب، الذي كان يدور على الأقسام ويصيح بالمعتقلين ويضرب ويبطش ويهدد ويتوعد. مدرب تعدى الستين عاما حليق الرأس كالنازيين الجدد يأتي ليصيح بالأطفال، يمارس ساديته، يهدد ويتوعد، يصيح ويثور ويموج تماما كما تسيمح. اكتشف أشهر فيديوهات خد بالك عليا | TikTok. تذكرت تسيمح عندما وقف أمام السجناء في النقب وقال " مين فيكم زلمة" فأسرع – مفوتا الفرصة على غيره - الشهيد أسعد جبرا الشوا وفتح صدره عند السلك الشائك وقال له " احنا زلام يا جبان وان كنت زلمة طخ" فأرداه قتيلا واستشهد معه علي السمودي.
بالمحصلة العامة علينا أن نتصرف كما نحن، أن نحب بعمق وليس كرد فعل على من التفت الينا أو أحبنا بسطحية، علينا أن نقدم منطلقين من قناعتنا وليس مجاملة أو كي نحمّل الآخرين "جميلة"، وعلينا أن نحفظ ذكريات جميلة حتى لو لم يحفظها غيرنا، وعلينا أن نكون دائما هناك الى جانب من يحتاجنا حتى لو هجرنا هو، حتى لو أساء الينا ذات يوم، فنحن نعمل منطلقين من قناعاتنا ومفاهيمنا وأحاسيسنا، ونحن الفقراء أقدر الناس على العشق كما قال ذات يوم صديقي الكاتب ابن المخيم أسامة العبسة. موسيقى الأغنية جاءت على ايقاع حزين يرتفع أحيانا وينخفض وفي ذلك دلالة على أن اليسا وان كان تخرج ما في داخلها من "آهات" الا أنها ليست تذمرات أو شكاوى بقدر ما هي فضفضة داخلية، لأنني واثق كل الثقة أن من يحب، وحتى لو تركه هذا الحبيب المصطنع، وعندما يكون هذا الحبيب في أزمة، فان من أحب حقيقة سيكون هناك، واقفا الى جانبه بشد من أزره وعزيمته لا ليجعله يعود اليه، وانما لأن هذا هو الحبيب الحقيقي بعينه، ومن يحب لا يكره ولا يحقد ولا يتصرف الا بصفاء نفس وبهدف غاية في النبل والعزة. أما لمعلمة الرياضيات التي طلبت مني أن أكتب عن كلمات الأغنية وصاحبة ريشة تشير الى لمسة فنان ، فأقول لها شكرا، ولا يمكنني بأي حال من الأحوال أن اقبل بمعادلة الحساب البسيطة 1+1= 2، ففي العلاقات البشرية الانسان هو الانسان، وكما يقول محمود درويش علينا " أن نحرس وردة الشهداء وأن نحيا كما نحن نشاء".