ويمضي الفنانون في تفجير قضايا اجتماعية وإنسانية بروح السخرية وتقنيات الكاريكاتير وأبجدياته التعبيرية للغوص في الأعماق وتعرية الذات ولمس المشكلات الكامنة تحت السطح، كما في متوالية أحمد صبري "التليفزيون إلى الأبد"، وفيها يستلهم جيوش الصور المرئية المتحركة عبر الشاشات لتجسيد أزمات الإنسان المعاصر المتعرض للاستلاب والغزو الفضائي والنفي إلى عوالم افتراضية خارج الواقع المعيش، وتحفل أعمال الفنان بما يشبه قصص الكوميكس، من دون تعليق. وفي سياق مشابه، تأتي تجربة "أنا تخين" لإيهاب الطوخي، للتندر على البدانة، كمرآة لثقل المجتمع وتباطؤ حركته، و"حديقة الممسوخين الترفيهية" لأحمد صبري، كديستوبيا تشكيلية تسرد حكاية مدينة فاسدة مخيفة ومجتمع متدهور وبشر متجردين من إنسانيتهم، و"خيال المآتة" لدينا حسام، لاستلهام "فزّاعة الحقل" كرمز للفشل والشكلانية والفراغ من المحتوى. وكذلك تأتي مجموعتا " لحظات"، لهنا السجيني، و"فرق توقيت" لشعبان الحسيني، ويتجلى فيهما تلاشي الزمن دون جدوى، ومرور سفينة العمر إلى محطتها الأخيرة، حيث لم يترك الواقع الكابوسي للإنسان شيئًا من إنسانيته. نجلاء عبدالله.. أول مدربة بوب آرت سعودية - جريدة الوطن السعودية. وتتكئ تجربة الفنان المخضرم سمير فؤاد (77 عامًا) على البوب آرت في سلسلة معارضه المتتالية، حيث ينحدر بخفة إلى جذور الظواهر وأصول الأشياء والعلاقات، ويتقصى بلاغة الحركة وفلسفة الزمن ومتغيرات البيئة، مطلًّا على توجّسات البشر وتفاصيل الشارع المصري، ومفجّرًا المآسي والصرخات الشعبية إلى جانب المسكوت عنه في الدراما اليومية المؤلمة، التي لا تتوقف حلقاتها.
قالت أول مدربة سعودية لفن البوب آرت الفنانة التشكيلية نجلاء عبدالله إنها لم تدرس هذا الفن، ولم تتعلم الرسم، بل كان اعتمادها على موهبتها، ودعم عائلتها. وأضافت أنها عندما بلغت الـ21 من عمرها أصبحت مدربة بعد أن كانت متدربة، مشيرة إلى أنها دربت أساسيات الرسم وفن البوب آرت وكونت له منهجا وبحوثا لتعليمه بشكل شامل للطالبات. رسم بوب ارت (فرانك زابا- Frank Zappa ) - YouTube. واعتبرت نجلاء أنها على الرغم من ذلك، إلا أنها ترى نفسها من الجيل الجديد لمدرسة الفن التشكيلي الحديث في المملكة، وتحاول النأي بنفسها عن أي مسميات، مركزة جل اهتمامها - كما تقول- على تقديم تجربة جديدة ومختلفة، بعد بداية مبكرة مع الفن عن طريق مسابقات الصغار المدرسية أو تلك التي تنظمها أرامكو السعودية. وأوضحت أن انطلاقتها الأولى في هذا المجال كانت من خلال مسابقة أرامكو للأطفال من قبل المدرسة، وحصلت على المركز الثاني، أما بدايتها الفعلية فكانت عام 2004 التي شهدت تفرغها لعرض الأعمال. وتابعت "عملت على تدريب نفسي بالقراءة المكثفة عن الفن وتاريخه حتى وصلت لعمل مناهج أعيد دراستها، مؤكدة أن البحث والتجربة قاعدتان تسندان كل فنان، وتزيدان تجربته صلابة، فكلما اتسع أفقه بتجربة كل الفنون سيعي ذاته، فأنا بدأت بالزيتي ثم الرصاص مرورا بالنحت إلى أن استقر بي الفن بالأكريليك والخامات المتعددة.
وتشكل التربة المصرية في تمظهراتها الحالية بيئة مثالية لتمدد البوب آرت ونضجه. فمع صعوبة فرص التعبير الصريح عن قسوة اللحظة وفداحتها، يكثر اللجوء إلى التندر، والقفشات، والتضخيم، والتقزيم، والمفارقة، وتوليد الضحكات من رحم المأساة، وهي كلها أساليب متجذرة في الوجدان الشعبي المصري، المفطور على خفة الظل، والتمسك بالمقاومة في أحلك الظروف. ويمثّل "البوب آرت"، إلى جانب "الكوميكس" و"الكاريكاتير" و"الغرافيتي"، النموذج الطليعي الأكثر جرأة للفنون البصرية بمصر، والأكثر تفاعلية في الآن ذاته، استنادًا إلى أن ما يجتذب الناس ويؤثر فيهم يجب أن يكون نابعًا من الحياة بشكل مباشر، ومعبرًا عن تيار الحياة ونبض البشر ببساطة، وفق نظرة تمحيصية، وبوسائط قريبة متداولة. وقد انتشرت في مصر خلال الفترة الوجيزة الماضية معارض كثيرة للبوب آرت، طرح خلالها عشرات الفنانين تجاربهم ومقترحاتهم ورؤاهم الجديدة، حول المكان والزمان والبشر، وما يجري على الأرض، أملًا في تجاوز القتامة القائمة إلى بصيص ضوء في المستقبل. ومن هؤلاء، الفنان أحمد ليسي، الذي قدّم مجموعة أعمال هزلية بعنوان "أُدخل إلى مكاني الخاص"، معتبرًا المكان منصة أولية للانطلاق نحو استبصار ذاتي خاص على كل المستويات في التعاطي مع المناظر والأشياء والعلاقات، ورسم خرائط للبشر والأمكنة، ووصف تفاصيل الحياة اليومية والواقع المصري بكل ما يحمله من عفوية وتناقضات وروح طازجة قادرة على التسلح بالدعابة في أصعب الأزمات.
ودافيد هوكني David Hockney: يستلهم هوكني موضوعاته من مجلات الرياضة البدنية، ومن بيئة كاليفورنية الطبيعية ومن الأحياء الشعبية في الشارع الثاني والأربعين بمانهاتن، بصالاته المتخصصة في الملاهي الخليعة، والبريق الثقافي الرخيص. وقد تجلى إحساسه الشامل بالنقد الاجتماعي بأروع مظاهره في لوحته: «الناس الطيبون ينشدون المزامير». وبيتر بليك: Peter Plaeke اهتم بليك بالشخصيات البارزة في الماضي، وفي الحاضر كأعضاء فرقة الخنافس، وقد تميزت صوره على الدوام بدقة متناهية، وبضخامة الحجم وقوة التأثير، وجعلته ميوله لشخصيات الماضي من أكثر فناني البوب رومانسية. وريتشارد سميث: Richard Smith كان النجاح الذي حققه لنفسه في نيويورك يعني الكثير لرفاقه الإنكليز، وذلك لأنهم اتخذوه مثالاً يحتذى، وحين عاد إلى إنكلترة في عام 1961 كان محملاً بمعلومات حديثة جداً عن أنشطة الفنانين الأمريكيين وتحديات التشكيل التقليدي. وقد استوعب اللامبالاة الأمريكية، والحس الأمريكي للقياس الكبير. في أمريكا صحيح أن الفن الشعبي ولد في إنكلترا، ولكن فناني البوب من شباب إنكلترة استوحوا الكثير من الثقافة الشعبية الأمريكية، وذلك لأن انتشار الإعلان ووسائل الاتصال الجماهيرية، في نيويورك خاصة، ليس له مثيل في أي مدينة أخرى، زد على ذلك النشاط التجاري الهائل في أمريكة واعتماد انتشاره على وسائل الإعلام (MEDIAS).