قال ابن القيم رحمه الله: "وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه صلى الله عليه وسلم وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه، وكان أجود الناس بالخير، يمينه كالريح المرسلة، وكان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه، تارة بطعامه، وتارة بلباسه، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بالصدقة ويحث عليها ويدعو إليها بحاله وقوله. ولذلك كان صلى الله عليه وسلم أشرح الخلق صدرًا، وأطيبهم نفسًا، وأنعمهم قلبًا، فإن للصدقة وفعل المعروف تأثيرًا عجيبًا في شرح الصدر" [6]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يَسُرُّني أنَّ لي أُحُدًا ذهبًا تأتي علي ثالثة، وعندي منه دينار إلا دينار أُرْصِدُه لدين عليَّ)) [7]. ص6 - كتاب شرح الأربعين النووية لعطية سالم - شرح حديث إنما الأعمال بالنيات - المكتبة الشاملة. ولما سئل صلى الله عليه وسلم: "أي الصدقة أعظم"؟ قال: ((أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان)) [8]. ومن فضائل الصدقة: أنها إذا كانت من كسب حلال خالصة لوجه الله تعالى؛ فإن الله تعالى يقبلها بفضله، ويضاعف ثوابها لصاحبها أضعافًا مضاعفة، والله ذو الفضل العظيم. عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن تصدق بعِدْل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُها بيمينه ثم يُرَبّيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوَّه حتى تكون مثل الجبل)) [9] فيأتي المؤمن يوم القيامة وإذا بِحَسَناتِه أمثال الجبال فيفرح بثواب الله.
في فضل الصدقة الحمد لله الذي يَجزِي المتصدِّقين، ويُخلِف على المُنفِقين، ويحبُّ المُحسِنين، ولا يُضِيع أجرَ المؤمنين، أحمَدُه - سبحانه - على نِعَمِه العظيمة، وآلائه الجسيمة، وصِفاته الكريمة، وأسأَلُه أنْ يجعل عمَلَنا في الخير ديمة. وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، هو الرب العظيم، والإله الرحيم، الجواد المحسِن الكريم، خزائنه ملأى، ويَداه سحَّاء الليل والنهار لا تُغِيضُها نفَقَة، أفرأيتم ما أنفَقَ منذ خلق السماوات والأرض؟ فإنَّه لم ينقُص ممَّا عنده شيئًا إلاَّ كما ينقص المخيط إذا أُدخِل البحر، فاسأَلُوه من فضله، فإنَّه يَغفِر الذنب، ويَقبَل التوب، ويُزَحزِح عن النار، ويُورِث الجنَّة، ويحلُّ الرضوان، وما كان عطاء ربك محظورًا. وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله النبي الأمين، والرسول الكريم، كان أجود الناس، وأكرم الناس، فكان أجود بالخير من الريح المرسَلة، وما سُئِلَ شيئًا قطُّ فقال لا؛ بل كان يقول: ((أنفِقْ بلالاً ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً)).
وفي " صحيح مسلم " - رحمه الله - عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما نقَص مالٌ من صدقة)). وفيه أيضًا عن أبي أُمامَة - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا ابن آدم، إنَّك إنْ تبذل الفضل خيرٌ لك، وإنْ تُمسِكه شرٌّ لك، ولا تُلام على كَفاف)). احاديث عن فضل الصدقة والإنفاق. وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قال الله -تعالى-: أَنفِق يا ابن آدم أُنفِق عليك)). عباد الله: ثبَت في الصحيحين عن عَدِيِّ بن حاتم - رضِي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكَر النار فتعوَّذ منها وأشاح بوجهه ثلاث مرَّات، ثم قال: ((اتَّقوا النار ولو بشقِّ تمرة، فإنْ لم تجدوا فبكلمةٍ طيِّبة))، ففي هذا الحديث أنَّ الصدقة تَقِي من النار ولو كانت تمرةً واحدة أو بعض تمرة، أو كلمة طيِّبة إذا لم يجد الرجل أكثر منها. وقد رُوِيت آثارٌ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضْل الصدقة منها: إنها ((تُطفِئ الخطيئة كما يُطفِئ الماء النار، وتسدُّ سبعين بابًا من السوء، وإنَّ البلاء لا يتخطَّى الصدقة، وأنها تَزِيد في العمر، وتمنَع مِيتَةَ السوء، وأنها تُطفِئ عن أهلها حَرَّ القبور)).
العاشرة: الجود بتركه ما في أيدي الناس عليهم فلا يلتفت إليه ولا يستشرف له بقلبه ولا يتعرض له بحاله ولا لسانه، وهذا الذي قال عبد الله بن المبارك إنه أفضل من سخاء النفس بالبذل، فلسان حال القدر يقول للفقير الجواد: وإن لم أعطك ما تجود به على الناس فجُد عليهم بزهدك في أموالهم وما في أيديهم تفضل عليهم وتزاحمهم في الجود وتنفرد عنهم بالراحة. ولكل مرتبة من مراتب الجود مزيد وتأثير خاص في القلب والحال، والله سبحانه قد ضمن المزيد للجواد والإتلاف للممسك، والله المستعان. "مدارج السالكين" (2 / 293 – 296) بتصرف يسير. 3. تأخير الزكاة إلى رمضان فرض الله تعالى الزكاة على أصحاب الأموال ممن بلغت أموالهم أنصبة معينة، والزكاة عبادة وهي ركن من أركان الدِّين، فإذا حال الحول أو أخرجت الأرض زرعها: وجب على صاحب المال والزرع المبادرة إلى إخراج زكاة هذه الأموال، ولا يجوز له إخراجها على دفعات وليس له أن يؤخرها إلى رمضان ولا غيره إلا أن تدعو ضرورة لذلك. قال ابن قدامة رحمه الله: "وتجب الزكاة على الفور، فلا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه والتمكن منه إذا لم يخش ضرراً، وبهذا قال الشافعي... " انتهى من"المغني" (2 / 289، 290).
وقال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة:267]. وقال الله تعالى: { آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد:7]. عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فَلوَّه حتى تكون مثل الجبل » ( البخاري:1344ومسلم:1014). فَلوَّه: مُهره الصغير. عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً ». (البخاري:1374ومسلم:1010).
فقال له: يا عبد اللَّه ما اسمك قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة. فقال له: يا عبد اللَّه لم تسألني عن اسمي فقال: إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها فقال: أما إذ قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثاً، وأرد فيها ثلثه) رَوَاهُ مُسلِمٌ. ( الحرة): الأرض الملبسة حجارة سوداً. و (الشرجة) بفتح الشين المعجمة وإسكان الراء وبالجيم: هي مسيل الماء.